كثرت الأقاويل عن مؤتمرات وقرارات وبيانات تخص إقليم دارفور في غربي السودان، وقد نشبت في شرقي السودان وجنوبيه اضطرابات وقلاقل أمنية يمكن نسبتها إلى خطة تفتيت الوطن العربي. فبعد السودان وجنوبيه سارعت تلك الخطة إلى فتح صفحة احتلال العراق وتهديد سوريا ولبنان أميركياً وإسرائيلياً. ومن هنا يمكن اعتبار خطة "الشرق الأوسط الكبير" جزءاً من تلك الخطة.
فمنذ أن طرحت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن هذا المشروع على قمة الدول الثماني المجتمعة في "سي آيلاند" بولاية جورجيا الأميركية في يونيو الماضي، كان ولا يزال هذا المشروع الشغل الشاغل لدول وشعوب المنطقة العربية. فهو يضيف تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان وإسرائيل إلى دول هذه المنطقة وبخاصة أن المادة الأولى من ميثاق جامعة الدول العربية تشترط على كل دولة عربية أن تكون مستقلة وأن تقدم طلباً بذلك. وهذه الدول مستقلة ولكنها ليست عربية. وهذا يتطلب تعديل الميثاق بحيث تقبل عضوية هذه الدول.
وإذا كانت جامعة الدول العربية مؤلفة، حالياً، من 22 عضواً فإنها مرشحة لأن تزداد وبخاصة أن العراق مرشح لأن ينقسم إلى ثلاث دول: في الشمال الدولة الكردية، وفي الجنوب الدولة الشيعية، وفي الوسط الدولة السنية، وحيث تحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، فتكون الدولة السنية العراقية هي الملجأ النهائي...على الأقل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إضافة إلى احتمال انضمام الصحراء الغربية، وهو أحد احتمالات حل هذه المشكلة التي دوخت مجلس الأمن والرئيس الأميركي و مندوبه جيمس بيكر. هكذا تفرض الإدارة الأميركية الحالية الحل المناسب بعد أن استعصى على المغرب والجزائر والاتحاد المغاربي والاتحاد الإفريقي حل هذه المشكلة.
ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يستوعب كل هذه المشكلات، هو فكرة أميركية/ صهيونية يمكن إعادتها إلى هرتزل الذي طرح في 1897 في مؤتمر بازل بسويسرا فكرة إنشاء كومنولث شرق أوسطي. وكان المنظر فلاديمير جابوتنسكي نادى بفكرة المشروعات الكونفيدرالية لمنطقة الشرق الأوسط. ولا يتسع المجال لجرد الآثار والتصورات الصهيونية بشأن الشرق أوسطية بدءاً من أطروحات جابوتنسكي ومروراً بابن غوريون وانتهاء بشمعون بيريز وكتابه عن الشرق الأوسط الجديد الذي كانت له أبعاد كثيرة تضمنت جملة مشروعات يمكن أن توصف بالتعاون الإقليمي، وبذلك فرضت إسرائيل بعدوانيتها ومشروعها الصهيوني على المنطقة ،وأُطلقت يدها فيها لتفعل بها ما تريد.
ولقد صاغ أرييل شارون الفكرة نفسها ولكن دون لفظة "ديمقراطي". وجعل لإسرائيل مجالين جغرافيين أحدهما الدول العربية الخارجية وثانيهما القوى الدولية التي تؤثر بمكانتها في أمن إسرائيل، وهي الآن الإدارة الأميركية الحالية لأنها ذات مصالح كونية تتقاطع مع مصالح إسرائيل وبخاصة في مصير النفط في العراق وأفغانستان، وفي مصير الصراع العربي- الإسرائيلي الذي يعبر عن المصالح الأميركية في المنطقة. وعلى هذا فإن إسرائيل مصلحة أميركية بكل معنى الكلمة، تحميها في مجلس الأمن وتقف معها في الجمعية العامة. ومن الطبيعي أن تصبح إسرائيل وسيلة وغاية بالنسبة إلى المصالح الأميركية.
ومنذ بداية ثمانينيات القرن الماضي بدأت القوى المؤثرة في السياسة الدولية تدرك أن هناك مجموعة من الظروف والشروط التي قد تساعد الأمة العربية على أن تكون طرفاً فاعلاً في التفاعلات الدولية وبخاصة أنها أمة تعدّ 280 مليون نسمة وذات إمكانات اقتصادية جيدة تجعل منها قوة سياسية واقتصادية مؤثرة. ويكفي أن نتذكر أمثال هنري كيسنجر وجورج بوش الابن وغيرهما من الذين أثروا بأفكارهم وخططهم على مصير ومستقبل الأمة العربية.
إن جامعة الدول العربية في المشروع الأميركي الجديد، وهي المؤسسة القومية الوحيدة في العالم، معرضة للانهيار وتعميم الفوضى والظلامية بتغيير ميثاقها وحدودها. وإذا كان هناك من مجال لإصلاح هذه المؤسسة القومية فيجب التشدد في قبول الأعضاء أو أن تكون معايير القبول غير هذه التي ذكرت في الميثاق، وإلا فإن تسليم الشؤون القومية إلى أيد أجنبية يعني التخلي عن هذه الشؤون.