قرار مجلس الأمن بخصوص سوريا ولبنان الذي يحمل رقم (1559) كان مفاجأة بكل ما تعنيه الكلمة. لكننا نحن العرب لم نعهد من مجلس الأمن إلا قرارات تسم البدن وتصيب بالوهن ابتداء بقرار التقسيم البائس لفلسطين مروراً بقرارات الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي وانتهاء بقرارات دارفور وأخيراً هذا القرار. المفاجأة من وجهة نظري تكمن في فرنسا التي جيشت أعضاء مجلس الأمن لاستصدار هذا القرار، وكأن الولايات المتحدة الأميركية ليست هي رأس الحربة في كل قرار ضد المصالح العربية بينما تتعدد وتتبدل أدوار المساندة بين دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن الغريب هو أن الدعم الفرنسي جاء في وقت ندد فيه كل العالم العربي باختطاف صحفييها، مما ساعد في عدم إعدامهم من قبل خاطفيهم أسوة بالصحفي الإيطالي، وبدلاً من أن يرد الفرنسيون الجميل للعرب، ها نحن نتلقى منهم طعنة في الظهر متمثلة في قرار جائر لا يمت للواقعية بأية صلة.
أميركا وعلى الرغم من أنها محتلة للعراق وضربت عرض الحائط بمعارضة مجلس الأمن والعالم كله، تحظى بدعم دولي يعزز بقاءها في بلاد الرافدين، ولا نرى حتى ولو تصريحاً بسيطاً ممن يدعون الخوف على حرية الشعوب يطالبها بالخروج من بلد لا يضمر لأميركا الود عكس ما ادعت واشنطن عند غزوها العراق، في حين تطالب واشنطن وباريس سوريا بالخروج من لبنان رغم رغبة بيروت في بقاء تلك القوات لما قدمته من تضحيات أوصلت لبنان إلى ما هو عليه حالياً من الأمن والسلام. وكأنه كان الأولى بنا أن نعامل فرنسا كما عاملتها إسرائيل ولا زالت تعاملها بمزيد من الضغوط والاتهامات وافتعال الأزمات، بدل التقدير والتبجيل من قبلنا على مواقف لها كانت بالماضي لم تقدم ولم تؤخر ولم تفلح في رد أي عدوان أراد عدو ما ارتكابه بحقنا، وأن نذكرها بالعدوان الثلاثي الذي كانت أحد أضلاعه، وسنوات الاستعمار والبؤس الذي خلفته في ربوعنا.
بعض الكتاب العرب يذكرون سوريا بما حدث للعراق ويطالبونها بالرضوخ لتلك المطالب بسبب الجبن الذي ينخر أجسامهم، فأضحوا لا يرون إلا بعين السمع والطاعة لكل ما تأمر به الولايات المتحدة الأميركية. وإن كنت لا أستبعد أن تنفذ سوريا تلك المطالب، ولكنني لا ألومها على ذلك لأنها مطالبة بفعل شيء، أما الكتاب فليس مطلوباً منهم إلا شخطة قلم لا تقدم ولا تؤخر، فالأفضل لها أن تكون حسنة وفضلاً لا سماً زعافاً يبعث في قارئه التقزز والاشمئزاز.
بتار ولد محمد المختار - موريتانيا