"أيام الندم" هي العملية الدموية التي انتهى منها مؤخرا (ربما مؤقتا) ما يسمى "جيش الدفاع الإسرائيلي" داخل قطاع غزة لمنع وصول صواريخ القسام إلى بلدة سديروت وغيرها من المدن والمستعمرات/"المستوطنات" الصهيونية. ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي إرئيل شارون أن هذه العملية ستسمح بالخروج من قطاع غزة لكن ليس "تحت ضغط إطلاق النار"، أي أن شارون لا يريد الظهور بمظهر المنسحب من غزة تحت وطأة ضربات المقاومة وإنما لأنه اختار ذلك الانسحاب "لمصلحة إسرائيل". وبعد أكثر من أسبوعين من الاقتحام الوحشي لمنطقة شمال القطاع حيث لم توفر إسرائيل أية وسيلة إلا واستخدمتها، لم تتمكن آلة الحرب الإسرائيلية من تحقيق هدفها المعلن ألا وهو وقف إطلاق صواريخ القسام على إسرائيل. وها هو الجيش الإسرائيلي يعلن "إعادة الانتشار" معترفا بأن الفلسطينيين وفصائلهم السياسية بأجنحتها العسكرية يبدون صمودا كبيرا ويحسنون مقدرتهم القتالية رغم المجازر التي ترتكب بحقهم. والحال كذلك، بادر كبار قادة الجيش إلى الطلب من شارون وقف العملية والانسحاب قبل أن يتورط الجيش في حرب مكلفة لا يستطيع الخروج منها منتصرا. وبغض النظر عن وقف صواريخ قسام من عدمها، فإن عملية "أيام الندم" هي مجابهة جوهرها: هل سيبدو انسحاب الجيش الإسرائيلي كهروب مخز على شاكلة الانسحاب من جنوب لبنان، أم أن إسرائيل ستخرج من القطاع وفق إرادتها من موقع القوة كما يريد شارون؟.
التصعيد الإسرائيلي الخطير في العمليات في الفترة الأخيرة يرتبط بلا شك بالحرب الدائرة حول صورة فك الارتباط. فالعمليات كانت تجري دوما طوال الفترة التي سبقت طرح شارون فكرته للمرة الأولى حول فك الارتباط بمدة طويلة، ولكن كلما اقترب موعد الانسحاب الأحادي الجانب كثر الجدل حول تلك الخطة بهدف أن يأتي الخروج من غزة نتيجة قرار سياسي ليس إلا! ورغم أن الأمر يتعلق بالشكل، إلا أن من الصعب تقليل أهمية المسألة المطروحة على الأقل إسرائيليا. فالصورة ستؤثر كثيرا على مسألة تحول الانسحاب من القطاع إلى حافز في نظر الفلسطينيين لطرد إسرائيل من الضفة الغربية بأسلوب المقاومة. لذلك، فإن الخوف في الدولة العبرية من أن يعتبر الانسحاب من قطاع غزة دليلا على انتصار المقاومة دفع أصواتا كثيرة داخل الكيان الصهيوني إلى التفكير بشن عملية برية واسعة في القطاع على غرار عملية "الجدار الواقي" التي أعادت إسرائيل بموجبها احتلال كامل مدن وقرى الضفة الغربية. والمؤيدون لإعادة احتلال القطاع بالكامل يقدرون، حسب اعتقادهم، أن عملية بهذا الحجم فقط قادرة على توفير فترة هدوء تفتح المجال أمام تنفيذ فك الارتباط. فاحتلال القطاع بالكامل سيكون أمرا صعبا مثلما أن الثمن سيكون فادحا لأن القطاع هو المكان الأكثر اكتظاظا في العالم بالبشر وبالسلاح أيضا، ولأن القطاع يشكل وحدة متواصلة ومتماسكة من المدن ومخيمات اللاجئين بحيث إن التوغل فيه سيتطلب شن معارك ضارية داخل مناطق عمرانية مكتظة، الأمر الذي يستدعي خسائر بشرية كبيرة لإسرائيل.
هذا الواقع المرّ هو الذي دفع شارون إلى طرح خطته بالانسحاب الأحادي الجانب على الكنيست للتصويت عليها في الخامس والعشرين من الشهر الماضي. إلا أن التصويت الأولي على الخطة (وإن كان غير ملزم) أظهر أن غالبية أعضاء الكنيست تعارض خطته. فقد رفض الكنيست البيان السياسي لرئيس الوزراء. كما صرحت بعض المصادر المقربة من شارون بأنه لا يوجد أدنى شك من أن الهزيمة في الكنيست ستقود إلى انتخابات جديدة إن عاجلا أو آجلا. فالوزير عوزي لنداو يقول: إن المعارضة ستكون أشد عند التصويت على خطة الانفصال. ويحاول شارون في غضون ذلك تقليل الأضرار المترتبة على هذه الهزيمة والسعي إلى توسيع صفوف ائتلافه الحكومي. فقد اجتمع شارون مع أعضاء من كتلة "يهودوت هاتوراه" بالإضافة إلى رئيسة كتلة حزب العمل في الكنيست داليه اتسيك. وقالت محافل مقربة من رئيس الحكومة:"إنه في اللحظة التي تبدأ فيها الحكومة بتكبد الخسائر المتتالية في عمليات التصويت في الكنيست، فإنها تفقد قدرتها على سن القوانين والمصادقة على الميزانية للدولة. وقد كان بمقدور استفتاء عام فقط أن يحول دون نشوء الوضع الراهن حيث أدى غياب هذا الاستفتاء إلى الزج برئيس الحكومة في ضائقة عصيبة". ووفقا لتقديرات المحافل نفسها، فإن الأصوات ستتوزع بعد الانتخابات، على النحو ذاته القائم حاليا، وسيبقى اليمين المتشدد صاحب الأغلبية. لكن خطة الانفصال ستحظى بالأغلبية لأن رئيس الحكومة عاقد العزم على تنفيذها. وفي اللحظة التي سيتمكن فيها من تمرير هذا المشروع في الكنيست، سيبدأ العد التنازلي للانتخابات النيابية الجديدة حيث "إن التصويت في الكنيست سيعيد فتح باب المفاوضات مع حزب العمل من جديد". كما أعربت مصادر أخرى مقربة من رئيس الوزراء عن تفاؤلها الحذر قائلة: لقد خسرنا المعركة ولكن لم نخسر الحرب! وأعرب هؤلاء عن ثقتهم بنجاح المفاوضات لتوسيع الحكومة هذه المرة. من جهته، حاول الوزير لنداو إقناع المتمردين بعدم التصوي