خلال ندوة عن الإعلام الخليجي وعلى مدى أربع جلسات نوقشت الاتجاهات الجديدة في الإعلام الخليجي. وكانت المحاور الرئيسية للندوة كالتالي: الاتجاهات الجديدة في الإعلام الخليجي. الإعلام والتطورات الداخلية في مجلس التعاون. التحديات والضغوط الخارجية على الإعلام الخليجي متطلبات وسبل النهوض بالإعلام الخليجي.
ولقد ساهم العديد من الإعلاميين الخليجيين والعرب في تلك الندوة التي تُعتبر خطوة جدية نحو دراسة مفاهيم وسلوكيات الإعلام الخليجي وما يتعرّض له من اتجاهات وضغوط فرضتها الحتميات السياسية التي تمر بها المنطقة العربية بأسرها. لن أقدم هنا تلخيصاً لتلك الآراء والأفكار التي طرحت في الندوة، ولكن سوف أضيف إلى ما تناوله الزملاء الإعلاميون، مركزاً على أهم المتطلبات التي يحتاجها الإعلام الخليجي وحقيقة الاتجاهات الجديدة، إن كانت هنالك فعلاً اتجاهات.
في البداية لابد لنا من التفريق بين الإعلام الخليجي الرسمي (ويمثل الإذاعة والتلفزيون المملوكين للدولة) وبين الفضائيات الخاصة أو تلك شبه الرسمية، وكذلك بين ذلك الإعلام والصحافة الأهلية، بل والإعلام الإلكتروني المتمثل في الإنترنت والمواقع الخاصة بشخصيات خليجية. فالإعلام الرسمي لا زال - في أغلب الدول- متمسكاً بتقاليده القديمة، وأشكال صياغاته وقيمه، ونمط تقديم برامجه، وكذلك "إذعانه" للتوجه السياسي "التنموي"، والذي ما عاد يناسب العصر. ذلك، أن أي اتجاهات جديدة يمكن رؤيتها من خلال هذا الإعلام، إذا كان معتمداً على قوانين وتوجيهات تأتي - في بعض الحالات- من شخصيات رسمية لا علاقة لها بالإعلام! في ذات الوقت، فإن الهياكل الإدارية التي خُلعت على هذا الإعلام والمسميات الجديدة لم تُضف جديداً على هذا الإعلام، اللهم إلا زيادة تكبيله، وزيادة "عبادته" للدولة وشخوصها.
ثانياً: إن الفضائيات شبه الرسمية وتلك الخاصة يمكن تقسيمها إلى قسمين: فشبه الرسمية إما أن تكون إخبارية بحتة كـ"الجزيرة" و"العربية"، أو قناة منوعات مثل
(MBC)، أو قناة أغانٍ ورقص وما أكثرها في السماء العربية!. هذه الفضائيات تحقق لها سقف حرية واسع، وتحقق لها جمهور كبير - كل حسب اتجاهاته- وهي المطلوب دراستها في محور الاتجاهات الجديدة. ويمكن إجمال اتجاهاتها كالتالي:
سرعة التحرك والتغطية الشاملة للحدث. الديناميكية، والتحرر من الروتين الحكومي. توفر هامش جيد للحرية والرأي الآخر. استخدام تقنية متطورة وكوادر بشرية مؤهلة. وصولها إلى بقاع شتى من العالم.
- لجوء بعضها إلى (صناعة الإعلام) سواء عبر توزيع الكلمة المقروءة أو الصورة. تحررها من العتب الحكومي - في بعض الحالات- وهذا ما يغضب الحكومات الأخرى. عدم خضوعها لقوانين البث المحلية، وظواهر الفضائيات الغنائية، وبعضها يميل إلى المجون، خير دليل على ذلك. استقطابها للعديد من الكفاءات العربية، وبعضها الذي تخاصم مع إعلامه الرسمي.
إذن فهذه الاتجاهات هي التي قدمت الجديد في الإعلام الخليجي، وهذا ما حفّز وزارات الإعلام في بعض الدول لتخصيص قنوات تميل إلى حرية الإعلام، خصوصاً في مجال الأخبار، رغم تكبيل الوزارة للإعلام التقليدي.
ثالثاً: بالنسبة للضغوط الخارجية على الإعلام الخليجي. نحن نعتقد أن الأميركان قد أعلنوا صراحة حنقهم وغضبهم على "الجزيرة" و"العربية"، نظراً لنشاط القناتين على المستوى الدولي، لكن الإشكالية هنا، أن الولايات المتحدة لم تغلق مكاتب القناتين في أميركا، وإن حتمت الحرب على العراق ضرب المكاتب في بغداد، وهذا لا يمكن تسويغه تحت أية ذرائع! الضغوط كانت دوماً تأتي من دول عربية، بل إن بعض هذه الدول قد أغلق المكاتب وعاقب المراسلين، والبعض الآخر منع "عمداً" وصول صحافيي القناتين إلى المعلومة، رغم توفرها للإعلام الآخر. إن عصر السماوات المفتوحة لا يمكن أن يتراجع إلى الوراء، وبالتالي فإن الضغوط - مهما استشرست- لن تفيد، وستظل هنالك وسائل أخرى يتم إيصال المعلومة عبرها لمنشديها!
رابعاً: إن متطلبات ووسائل النهوض بالإعلام الخليجي، معروفة لدى العديد من المسؤولين، لكن الإشكالية تتعلق بالنظام السياسي، فكيف ينهض إعلام دولة وهي لا زالت متعلقة بقوانين المطبوعات التي صدرت في الستينيات أو السبعينيات؟ وكيف ينهض إعلام دولة وهي لا زالت غير محددة موقفها من هامش حرية الرأي، بل إن التعليمات تأتي لرؤساء التحرير مشحونة بالغضب أحياناً إذا ما لاحظ المسؤولون أي اقتراب من الخطوط الحمراء أو استاء سفير من خبر عن بلاده واتصل بوزارة الخارجية! وكيف ينهض إعلام خليجي إذا ما تم تسريح الكفاءات النيّرة منه واستُعيض بدلهم بمحدودي الخبرة والكفاءة؟
إن القضية اليوم هي قضية مهنية، وليست قضية (السيد والعبد)! وأن الإعلامي النظيف المؤمن برسالته قد يقول، لا! ويوضح موقفه المهني. أما أن يكون حكم الإعلام - كما هو الشأن الحكومي دوماً- حكم نفذ ولا تناقش، فهذا لن يخدم الإعلام الخليجي.
إذن فالقضية الأساسية هنا أن يتواجد نظام سياسي متفتح وديمقراطي يؤمن بحتم