تحت عنوان " خطة شارون للانسحاب: الجهة الأخرى من جبل الثلج" نشرت "وجهات نظر" يوم الثلاثاء 19-10-2004 مقالاً لباسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس تطرق خلاله إلى الانحياز الأميركي السافر لإسرائيل راصداً عدد المرات التي قامت الولايات المتحدة خلالها باستخدام حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار يصدر من الأمم المتحدة لإدانة إسرائيل والتي بلغت منذ عام 1967 وإلى الآن 27 مرة. وفي إطار التعقيب على ما ورد في هذا المقال أرى أن الكاتب وضع إصبعه على الاستراتيجية الأساسية التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، فهذا الرجل يحاول الآن قطع الطريق على خريطة الطريق والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية ذلك لأنه بدلاً من أن يمضي في تنفيذ بنود خطة خريطة الطريق التي صاغتها اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، يطرح الآن خطة للانسحاب من غزة وهي خطة أحادية الجانب لا تحظى بقبول اليمين الإسرائيلي المتطرف، والهدف منها الهروب من الخسائر التي يتعرض لها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة المكتظ بالسكان والذي لا يوجد فيه ما يراه اليهود أماكن مقدسة، ومن ثم لن تخسر إسرائيل شيئاً بالمفهوم الاستراتيجي من هذا الانسحاب. لكن ما يبعث على القلق أن حكومة شارون لا تريد أن يكون انسحابها من القطاع انتصاراً للمقاومة الفلسطينية فشنت عملية "أيام الندم" واستبقتها منذ فترة طويلة بتصفية عدد كبير من رموز وقيادات التنظيمات الفلسطينية المقاومة في القطاع. الكاتب رصد تصريحات خطيرة لأحد مستشاري شارون واستنتج منها أن الانسحاب من غزة أداة لقطع الطريق على عملية التسوية ووسيلة للتشويش على مبادرة جنيف السلمية غير الرسمية التي نالت قدراً كبيراً من التأييد. هذه التصريحات تؤكد نهج تل أبيب المتمثل في الهروب من عملية التسوية واستبدالها بعمليات أحادية الجانب.
الغريب أن الولايات المتحدة اختارت التأييد الأعمى لإسرائيل وذلك بغض النظر عن الانتهاكات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي وهو تأييد عادة ما يأتي إما لخوف الرئيس الأميركي من فقدان أصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية المقبلة أو من الخروج عن الخط الذي اعتادت عليه واشنطن منذ عقود والمتمثل في دعم الدولة العبرية في الأمم المتحدة والحيلولة دون تعرض تل أبيب لعقوبات أو قرارات دولية تدينها. لكن جهد واشنطن باستخدامها المفرط لحق النقض "الفيتو" داخل مجلس الأمن لحماية إسرائيل وتفسير أي قرار دولي يدينها بأنه قرار غير موضوعي يصب في التحليل الأخير في خانة تشويه صورة الدولة العظمى والانتقاص من قدرها كدولة يقترض فيها أن تتحلى بالنزاهة والعدالة اللازمتين لممارسة دور الوسيط في سلام الشرق الأوسط، لكن يبدو أن حماية أمن إسرائيل هدف لن يتغير في الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط.
عبد الناصر أحمد - دبي