أدى الارتفاع الأخير الكبير في أسعار النفط، إلى جعل موضوع أمن الطاقة من الموضوعات التي تحظى بأهمية فائقة في الانتخابات الأميركية. فالرئيس بوش، والسيناتور جون كيري، أشارا إلى الموضوعين الخاصين بتطوير اقتصاد يقوم على الهيدروجين، وإنشاء بنية لمصادر الطاقة المتجددة، باعتبارهما يشكلان جانباً مهماً من جوانب سياسة الطاقة الأميركية الشاملة. ولكن الملاحظ أن أياً منهما، لم يقم حتى الآن بالتركيز على وقود يعتقد الكثيرون أنه سيتحول كي يصبح ثاني أكثر أنواع الوقود استخداماً في العالم خلال الخمس سنوات المقبلة، ألا وهو الغاز الطبيعي.
ونقص الاهتمام هذا يعد نوعاً من السهو الخطير. فالغاز الطبيعي يعد من مصادر الطاقة الأولية الأكثر نمواً، خصوصاً إذا ما عرفنا أن المستهدف هو زيادة الاستهلاك العالمي من هذا المصدر بنسبة 2 في المئة سنوياً بحلول عام 2025. وأكبر الزيادات في الاستهلاك سوف تكون في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية، التي تعد موسكو هي المورد الرئيسي للغاز بالنسبة لها.
ومن جانب آخر، تشير مصادر وزارة الطاقة الأميركية إلى أن الطلب على الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة يتوقع له أيضاً أن يزداد بشكل حاد – بنسبة 40 في المئة من الآن وحتى عام 2025. ومن المحتمل أن يؤدي اعتماد الولايات المتحدة المتزايد على الغاز، إلى تغيير طبيعة حوارها السياسي مع روسيا، الدولة التي تمتلك 28 في المئة من الغاز الطبيعي في العالم، والتي ازدادت أهمية احتياطيها بسبب عدم الاستقرار السائد في المناطق التي يوجد بها بعض الموردين الرئيسيين للغاز، مثل إيران والسعودية.
ويذكر أن أوروبا الشرقية تعتمد على روسيا في الحصول على ما يزيد على ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وأن هناك دولتين هما فنلندا وسلوفاكيا تعتمدان على روسيا في الحصول على احتياجاتهما الكاملة من الغاز. كما يتوقع في هذا السياق أيضاً أن تقوم الولايات المتحدة بزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا بنسبة كبيرة بحلول عام 2025.
وكانت روسيا قد برزت خلال السنوات القليلة الماضية باعتبارها اللاعب الرئيسي الذي لا يبارى في مجال الغاز الطبيعي. وهذه الدولة التي تنبأ البعض أنها ستتحول إلى الغاز الطبيعي تمكنت أيضا من تعزيز قبضتها على الغاز في جوارها الخارجي القريب أي في آسيا الوسطى والقوقاز.
وقد تمكنت روسيا من تحقيق الجانب الأكبر من تلك المكانة، من خلال مؤسساتها الاحتكارية الضخمة التي تديرها الدولة. ففي إبريل 2003، تمكنت شركة
(غازبروم) عملاق الغاز الطبيعي الروسي، من التوصل إلى صفقة مدتها 25 عاماً مع تركمانستان لشراء غازها الطبيعي. وكجزء من تلك الصفقة، سوف تصبح موسكو بحلول عام 2009 هي المسؤولة فعلياً عن استغلال جميع كميات الغاز الطبيعي الموجود في تركمانستان، الأمر الذي يمنحها قوة ضغط سياسية في تلك الجمهورية التي كانت قد أعلنت أنها ستنتهج سياسة محايدة.
وفي شهر يونيو الماضي، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوقيع اتفاقية مدتها 35 سنة مع نظيره الأوزبكي إسلام كريموف تنص على منح مؤسسة "غازبروم" حقوق تطوير مستودعات الغاز الطبيعي في أوزبكستان. ومنذ ذلك الحين قامت تلك المؤسسة بإظهار اهتمامها المتزايد بالحصول على حصة تعادل 44 في المئة من أسهم الشركة المحتكرة لخطوط الأنابيب في ذلك البلد، وهي شركة "أوزبك ترانسغاز".
وفي شهر يونيو أيضاً أعلنت "غازبروم" عن عزمها على توقيع عقد تتراوح مدته ما بين خمس إلى سبع سنوات مع كازاخستان، للمشاركة في تطوير حقل كاراتشاجاناك الغني بالطاقة، كما أعربت المؤسسة أيضاً عن اهتمامها بالحصول على حصة ضخمة من مشروعات البنية التحتية لخط الأنابيب في تلك الدولة. كما تمت أيضاً في العام الماضي مباحثات بين المؤسسة وبين موظفين كبار في كل من قرغيزستان وطاجيكستان بشأن موضوعات مماثلة.
والغاز الطبيعي تحول إلى سلاح جيوبوليتيكي في يد روسيا. يتبدى ذلك بشكل واضح من خلال قيام موسكو عن طريق "غازبروم"، بوقف إمدادات الغاز إلى كل من روسيا البيضاء، وأوكرانيا، وجورجيا، وأرمينيا بحجة عدم قيام تلك الدول بدفع المبالغ المستحقة عليها، وذلك في كل مرة تقوم فيها تلك الدول بانتهاج سياسات داخلية أو خارجية تتعارض مع مصالح روسيا. كما نجحت موسكو أيضاً في إصلاح علاقاتها مع تركيا التي ظلت لمدة طويلة تمثل منافساً إقليمياً لها. فاعتباراً من عام 2001، قامت "غازبروم" بالربط بين منطقة ستافروبول في روسيا، وبين انقرة عاصمة تركيا عبر خط الأنابيب المعروف باسم " بلو ستريم" الذي جعل من تركيا الزبون الرئيسي لروسيا في مجال الطاقة. وهناك خطط إضافية لدى المؤسسة تتعلق بإنشاء خطوط أنابيب كذلك مع كل من أرمينيا وإيران.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث بدأت روسيا في تنظيم مصدري الغاز الطبيعي وضمهم تحت مظلتها. ويتنبأ المحللون بأن منتدى الدول المصدرة للغاز الذي تم تأسيسه عام 2001، قد يكون بشيراً بنشوء منظمة "أوبك" للغاز الطبيعي تكون روسيا