في الثمانينيات اختارت الأنظمة العربية التعامل مع عراق صدام حسين من منطلق أن بغداد هي البوابة الشرقية للعالم العربي، ومن ثم تعاونت الدول العربية مع صدام في حربه ضد إيران والتي خرج منها بخفي حنين. الأنظمة العربية لم تضغط على بغداد بعد مجازر "حلبجة" أو بعد قمع انتفاضة 1991. وقبيل الحرب على العراق اختارت معظم البلدان العربية مواقف متحفظة تتمثل في عدم الإفصاح عن المواقف الرسمية الحقيقية التي تتلخص في أن الإطاحة بصدام واقعة لا محالة لكن الحديث عن أسلحة الدمار الشامل ما هو إلا ذريعة أميركية لشن الحرب، وهذا التكتم أو بالأحرى المراوغة كان لصالح عدم إزعاج الصديق الأميركي الذي مضى قدماً في خوض الحرب دون تفويض أممي. ومن ثم اختارت معظم دول المنطقة عدم الرهان على صدام. أما الآن وبعد أن تم احتلال العراق تغير الموقف العربي تماماً، فأصبح هذا الموقف يفتقر إلى المبادرة، فضبابية المشهد العراقي حالت دون ظهور مواقف عربية جريئة تخدم مصالح العراقيين. إن الموقف العربي الرسمي تجاه العراق يحتاج، في مجمله، إلى مراجعة حقيقية، ذلك لأن المطلوب من البلدان العربية المساهمة بشكل إيجابي في استقرار العراق، ما يعني في التحليل الأخير دعم الحكومة العراقية الانتقالية ومساعدتها في الخروج من مأزقها الأمني الراهن حتى يتسنى للعراقيين إجراء انتخابات عامة مطلع العام المقبل. استقرار العراق لا شك سينعكس بالإيجاب على المنطقة العربية، ذلك لأن عراقاً يموج بالفوضى سيهدد أمن الدول المجاورة وسيفاقم من خطر التنظيمات الإرهابية، والأخطر من هذا كله فتح باب التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة على مصراعيه.
ناصر إبراهيم - بغداد