تعود التسمية العلمية لمرض الملاريا (الرعاش) إلى عام 1717، عندما فسر الطبيب الإيطالي "Lancisi" سبب الإصابة بهذا المرض الفتاك على أنه من جراء استنشاق الهواء الفاسد، الذي يربض فوق المستنقعات الراكدة ويقبع فوق برك المياه الآسنة. ورغم أن لا علاقة للملاريا بالهواء الفاسد أو النقي، إلا أن هذا الربط المبدئي حالفه الصواب إلى حد ما. فالمستنقعات الآسنة وتجمعات المياه الراكدة، تشكل بيئة خصبة لتوالد البعوض، المسؤول في النهاية عن نقل المرض من شخص إلى آخر. والملاريا في الحقيقة مكونة من كلمتين من اللغة الإيطالية معناهما حرفيا (الهواء الفاسد). أما العرب فأطلقوا على الملاريا لقب (الرعاش)، لوصف موجات الحمى الشديدة والارتجاف المستمر اللذين يعتريان المصابين به بشكل دوري كل ثلاثة أو أربعة أيام. ولم يكن حتى عام 1880 عندما تمكن طبيب يعمل لحساب الجيش الفرنسي في الجزائر من اكتشاف أن طفيل الـ (Plasmodium) هو المسؤول عن الإصابة بالملاريا، وهو الاكتشاف الذي نال عنه جائزة "نوبل" عام 1907.
ومما لا شك فيه أن الملاريا مرض قديم قدم التاريخ نفسه، بل ربما كان من أقدم الأمراض المعدية التي عرفها الإنسان. فالدراسات الوراثية الجينية تظهر أن الجنس البشري وطفيل الملاريا كانا على علاقة حميمة عبر التاريخ -عشرات الألوف من السنين وربما المئات-، لدرجة أن كلا منهما ترك أثره في التطور الوراثي البيولوجي للطرف الآخر. وحتى التاريخ البشري الحديث –نوعا ما-، بما فيه من حروب ونزاعات وقيام وسقوط حضارات، كانت دائما الملاريا مرتبطة بالكثير من أحداثه. ففي مصر القديمة مثلا، وقبل عصور الأسر الحاكمة، عثر الباحثون على آثار الإصابة بمرض الملاريا في مومياوات تعود إلى تلك الفترة التاريخية السحيقة، ويؤمن الكثير من العلماء أن إنسان الكهف أو إنسان العصر الحجري، حمل معه هذا المرض الطفيلي على طريق هجرته من قارة أفريقيا إلى سواحل المتوسط ومن بعدها إلى الهند وجنوب شرق آسيا. ومنذ تلك الأزمنة الغابرة، ومرض الملاريا يتسبب في أوبئة صحية مدمرة، طالما أخلت بالنسيج الاجتماعي - الاقتصادي للشعوب والدول، وهو ما نتج عنه سقوط حضارات وأحياناً اختفاؤها التام في أكثر من مرة.
والملاريا مرض طفيلي معد، تحدث الإصابة به عن طريق لدغة البعوض، والذي ينقل الطفيل في غدده اللعابية من الشخص المريض إلى الشخص السليم. وتظهر أعراض الملاريا على شكل حمى وارتجاف الشديد بشكل دوري كل بضعة أيام. وفي بعض أنواع الملاريا يصاب المريض بنوبات من التشنج العصبي، إلى أن يصل في النهاية إلى مرحلة الغيبوبة والتي يلقى بعدها حتفه.
وحاليا يتسبب البعوض في إصابة نصف مليار شخص سنويا بمرض الملاريا، يلقى على الأقل 2 مليون منهم حتفهم كل عام. ويستوطن المرض بشكل رئيسي الدول الاستوائية والدول الأفريقية جنوب الصحراء، وإن كان يوجد في مناطق أخرى عديدة من العالم. ففي الشرق الأوسط مثلا، تستوطن الملاريا الساحل الغربي لإيران المطل على الخليج العربي، ومنطقة الأهوار وشرق العراق، وجنوب شرق ووسط تركيا، ومعظم المناطق الساحلية في اليمن، ومنطقة عسير بالسعودية. هذا بالإضافة إلى بعض البؤر المعزولة في دول أخرى، مثل منطقة الواحات في مصر، ومنطقة الحدود الجنوبية المشتركة بين ليبيا والجزائر، وبعض المناطق الداخلية في عمان والمغرب. والمؤسف أن الملاريا تتسبب في وفاة أعداد ضخمة ممن يصابون بها، على الرغم أن العلاج ممكن إذا ما تم التشخيص بشكل مبكر، ولكن تظل الوقاية هي أفضل السبل لمكافحة هذا المرض القاتل.
وللتبسيط يمكن أن نقسم أساليب واختيارات الوقاية ضد الملاريا إلى قسمين: القسم الأول يعني بالوقاية من لدغة البعوض، والقسم الثاني يعني بمنع الإصابة بالمرض إذا ما لدغ الشخص ببعوضة تحمل الطفيل في لعابها. القسم الأول يتضمن مثلا؛ تجفيف البرك والمستنقعات التي يتوالد فيها البعوض، وتحسين شبكات الصرف الصحي ومنع تسرباتها، واستخدام المبيدات الحشرية "DDT"، واستخدام الناموسيات المشبعة بالمبيدات، واستخدام المواد الكيميائية الطاردة للبعوض "DEET"، وتغطية النوافذ والأبواب بسلك مانع للبعوض. هذه الإجراءات على بساطتها وبديهيتها، نجحت بالفعل في القضاء على الملاريا في بعض مناطق العالم. فالملاريا مثلا كانت تستوطن الولايات المتحدة وجنوب أوروبا، ولكن مع إتباع أساليب الوقاية الكفيلة بمنع التعرض للدغة البعوض، نجحت تلك الإجراءات في القضاء على المرض في معظم تلك المناطق. ففي العقود الأولى من القرن العشرين، تم القضاء تماما على الملاريا في شمال الولايات المتحدة، وفي عقد الخمسينات ومع استخدام مبيد الـ "DDT"، تم القضاء عليها أيضا في الجنوب. أما آخر الاختراقات في هذا القسم، فهو استخدام الهندسة الوراثية لتعقيم ذكور البعوض أو تغيير فريستها الأساسية، بحيث تصبح أكثر ميلا للدماء الحيوانية بدلا من دماء البشر. هذه الفكرة تعتمد إما على وقف تناسل البعوض نفسه، أو وقف دورة حياة الطفيل، والمعتمدة على البعوض والإنسان