امتثال شرع الله في القول والعمل، والعبادة الصادقة، والزهد في الملذات، والتراحم والمودة بين الناس، هي القيم التي يفترض أن تعود إلى النفوس كلما عاد شهر رمضان المبارك بأجوائه الروحية السامية، وما يتنزل فيه من الخير والرحمة للعالمين، ولكن بعض الموظفين في العديد من الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية يستبدلون ذلك كله بالكسل والنزق وتعطيل المصالح. فالدوام يتقلص إلى النصف إن لم يكن إلى الثلث، والأمزجة تصل درجة من الشد والجذب لا يمكن التعبير عنها بلغة الكلام. والمراجعون يكون مطلوباً منهم أن يتفهَّمُوا أن الموظف الجالس خلف الكاونتر "صائم"! فـلا نقاش، ولا إلحاح على إنجاز المعاملات ولا تسرع، فالشهر الفضيل له ظروفه، ومن شاء فليفهم، ومن لم يشأ فتلك مشكلته، و"اللهم إني صائم"!. والمفارقة هي أن حجة هؤلاء في العطالة "الرمضانية" تبدو شكلياً وجيهة! فمن يسهر حتى الفجر لا يمكن أن يخف إلى العمل في الساعة التاسعة بهمة ونشاط.
وما يقال عن هؤلاء لا تبلغه حال بعض سائقي المركبات من عصبية وانفعال وأمزجة ملتهبة وخروج على أبسط قواعد المرور، وما يقدم عليه بعض الناس من تكسير للنظام وخروج على الطوابير لدى الدوائر الحكومية، وكل ذلك بحجة أنه "صائم" وأن على الجميع أن يدفعوا من مصالحهم وراحتهم ضريبة لهذا الصوم فيعذرونه ويتفهمون وضعه وكأنه هو الصائم الوحيد في الشارع أو عند الدائرة الحكومية أو غيرها. وبديهي أن كل هذه السلوكيات لا تتماشى مع روح الصوم ولا مع روح الإسلام السمحاء، وكونه ديناً يُسراً صالحاً لكل زمان ومكان.
وليس ضياع المصالح والكسل وحدَّة الأمزجة هي وحدها ما يعانيه مجتمعنا في شهر رمضان، بل إن ثمة داءً آخر يحتاج إلى بيان خطورته هو الإسراف والاستهلاك الزائد عن الحاجة طيلة هذا الشهر. فجولة سريعة في أحد المراكز التجارية تعطي فكرة عن النهم المَرَضي الذي يجتاح البعض طيلة هذا الشهر الكريم، فترى المتسوق، أو المتسوقة، يجر أمامه عربة عليها من المواد الغذائية ولوازم المطابخ ما يهولك من كثرته. وترى من تعرف عدد أفراد أسرته يشتري ما يفوق حاجتها عشرات المرات، وتستنتج أن الفارق سيتم رميه في صناديق القمامة، في عملية إسراف لا تتماشى مع روح الصوم التي تقتضي الزهد والتخفف من ملذات هذه الحياة الفانية، والاتجاه بالطلب إلى ما عند الله من خير ورحمة لا حدود لهما.
إن شهر رمضان المبارك مع ذلك لا يخلو في مجتمعنا من بعض الأوجه المشرقة لهذا البلد الكريم، وفي مقدمتها خيم الإفطار الجماعية التي تقام للمحتاجين والفقراء، وكذلك المعونات التي تقوم بها الجهات المختصة وبعض أهل الخير على الأسر المتعففة، وذوي الاحتياجات وغيرهم. ويبقى فقط أن نتغلب على بعض الأوجه السلبية التي تلاحظ طيلة الشهر الكريم كالكسل والإسراف والسهر المفتوح وجلسات "الشيشة" الطويلة. والتغلب على كل ذلك لا يكلف سوى القليل من التوجيه وجهاد النفس، وفهم روح الصوم والاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى. وتقبل الله صوم الجميع.