لما كان قد طرح علي السؤال مرارا وتكرارا: لمن تصوت ولماذا؟ فلأستغل هذه الفرصة لأوضح موقفي. في هذه الانتخابات المقبلة، سوف أدلي بصوتي لصالح المرشح الديمقراطي جون كيري. وإنني إذ أفعل ذلك، إنما أفعله عن قناعة تامة بأنني أفعل ما هو صحيح لبلدي ولجاليتي العربية التي أنتمي إليها. لا يعني ذلك أنني أتفق مع كيري على كل ما يقوله ويبشر به. صحيح أنني ديمقراطي، ولكنني كثيرا ما ناهضت حزبي وقيادتي، كلما كان ذلك ضروريا ولا بد منه. فعلى امتداد العقدين الماضيين، كنت قد قدت الصراع داخل الحزب الديمقراطي من أجل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. كما فعلت الشيء نفسه، ضد ما يسمى بـ "الأدلة السرية" ضد الأفراد وضد التمييز على أساس عرقي، وصولا إلى معارضتي لهذه الحرب الكارثية على العراق. بل رفعت صوتي خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، معترضا على بعض تصريحات جون كيري وزميله جون إدواردز، فيما يتصل بالسياسات الشرق أوسطية.
أما لماذا أصوت لصالح جون كيري؟ فهذه هي الإجابة. إنني أوافق السناتور كيري الرأي في أن هويتنا نفسها كأمة ومعها بالطبع قيمنا والمثل التي لطالما تبنيناها في الداخل، وخرجنا نبشر بها في العالم الخارجي، قد باتت تواجه خطرا غير مسبوق في تاريخ البلاد. فقد تركت الأعوام الأربعة الماضية، تأثيرات مدمرة وبالغة الضرر بسمعة بلادنا. كما اختبرت الأعوام نفسها وحدتنا القومية، وشعورنا بأننا أمة ذات رسالة. فقد اتبعت إدارة بوش سياسات داخلية وخارجية عاطلة، ولم تأبه كثيرا لهذه الاعتبارات. فبسبب سياسة التخفيضات الضريبية الطائشة، تحول الرقم القياسي في الفائض الربحي الذي تميزت به الولايات المتحدة، إلى رقم قياسي في عجز الميزانية العامة. وعلى الصعيد الخارجي فقد تم التخلي عن التحالفات الدولية القوية التي بنيناها في السابق لصالح سياسة الضربات الاحترازية الأحادية التي لا تلوي علي شيء. أما المكتسبات الدبلوماسية الكبيرة التي حققناها خلال العقد الأخير، فقد طرحت جانبا أو أهملت تماما. وبين هذي وتلك، حلت محل الحماية الدستورية التي يوفرها الدستور للمواطنين، الأوامر التنفيذية، بعد أن أهملت الحماية الدستورية أو وضعت في مواجهة خطر السلطة التنفيذية. وبالنتيجة، فقد أهدرنا فرصا كان من شأنها أن تجعل بلادنا أكثر منعة وقوة، وأكثر رفاها وأمنا، بل وأكثر احتراما في نظر العالم.
ولأكن أكثر تحديدا فيما أقول. فقد كانت الحرب على العراق، حربا كارثية بكل المقاييس. وفي سبيل إشعالها بأي ثمن، فقد كذبت مجموعة خطيرة من الآيديولوجيين المتعجرفين في البيت الأبيض، ودفعت بلادنا إلى محرقة حرب غير مبررة، بل وغير مخطط لها. ولأنهم أرادوها بأي ثمن كان، فقد تصوروها "رقصة رشيقة خفيفة" وزهورا توزع على الجنود الفاتحين في شوارع بغداد وبقية المدن العراقية، علاوة على تصورهم لها على أنها "عيد ميلاد" للديمقراطية، فذهبوا إليها دون خطط وتصورات واقعية حقيقية، سواء لمرحلة الحرب، أم المرحلة التالية لها. واليوم فإن الشعبين الأميركي والعراقي، بل والعالم بأسره، وكذلك صورتنا وسمعتنا الدولية، كلها تدفع ثمن تلك الخدعة والغطرسة. وفي حين أطري على بوش مرارا بسبب الرؤية التي تقدم بها لإقامة وإعلان الدولة الفلسطينية، فإن كل ما فعلته إدارته، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك استحالة تحقيق تلك الرؤية. ذلك أن الإدارة فشلت خلال الأربعة أعوام الماضية، حتى في دعم المبادرات التي تقدمت بها هي، ناهيك عن مبادرات الآخرين. ومن مبادرة "ميتشيل" سيئة الذكر، وصولا إلى "خريطة الطريق" الأخيرة الميتة، لم تعد هذه المبادرات على الفلسطينيين، إلا بالمزيد من الموت والدمار لكلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وللتطلع إلى تحقيق السلام نفسه. وفي حين كرر الرئيس بوش احترامه للإسلام وللعالم العربي، نجد أنه وقف عاجزا مكتوف اليدين، أمام تصريحات الانحياز والتمييز ضد العرب والمسلمين، التي تخللت أحاديث بعض أفراد إدارته، وكذلك بعض الشخصيات القيادية المؤيدة له. ذلك أن الكثير من الإجراءات والقرارات التي اتخذها المدعي العام "جون أشكروفت"، قد ألحقت أضرارا فادحة بالحقوق الدستورية الأساسية للمواطنين، واحترام القانون، وبصورة بلادنا في نظر العالم الخارجي. وفي كل تلك القرارات والإجراءات، دفع المهاجرون العرب والمسلمون الأميركيون ثمنا باهظا.
وفي نهاية الأمر، فإن على العرب والمسلمين الأميركيين أن يعلموا أن انتخابات نوفمبر المقبلة، ليست معركة انتخابية تخصنا وحدنا. فقد عانى خلال الفترة ذاتها التحالف الذي دعم حرياتنا وحقوقنا المدنية وهواجسنا بشأن الحقوق الفلسطينية وسلام الشرق الأوسط. وهو تحالف يتطلع إلى رؤية التغيير في البيت الأبيض وسياسات بلادنا الداخلية والخارجية. وهذا هو ما تبشر به إدارة جون كيري وزميله جون إدواردز فيما لو فازا في الانتخابات المقبلة.