تقف أوروبا الآن قاب قوسين أو أدنى من اتخاذ قرار تاريخي سوف يكون له أثر عميق على مستقبلها. هذا القرار هو تحديد ما إذا كانت القارة سوف تبدأ مفاوضات مع تركيا تقود إلى انضمام الأخيرة في النهاية إلى الاتحاد الأوروبي أم لا. والمأزق الذي يواجه أوروبا في هذا الشأن عميق، لأن هناك أغلبية كبيرة من الرأي العام الأوروبي تبدو معادية لفكرة انضمام تركيا للاتحاد، في نفس الوقت الذي قطعت فيه الدول الأعضاء فيه، شوطا بعيدا في مسألة قبول عضوية أوروبا به لدرجة لا تسمح لها بالتراجع الآن. واللحظة التي سيتعين فيها اتخاذ ذلك القرار الحاسم، أصبحت على بعد أسابيع قليلة من الآن.
ففي السابع عشر من ديسمبر، سوف يقوم مجلس الوزراء الأوروبي، وهو أعلى سلطة في الاتحاد، بتقرير ما إذا كان سيقوم بإعطاء الضوء الأخضر للبدء في المفاوضات مع تركيا أم لا. والذي سيشجع القادة الأوروبيين على اتخاذ هذا القرار، هو ذلك التقرير الصادر في السادس من أكتوبر الحالي، والذي جاء به أنه على رغم أنه لا يزال هناك الكثير مما يتعين على تركيا القيام به، إلا إنها قطعت شوطا بعيدا تجاه استيفاء الشروط الضرورية- بشأن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، واقتصاد السوق وحماية الأقليات ما يسمح للمفاوضات معا بأن تتم.
ورئيس الوزراء التركي السيد "رجب طيب اردوغان" يريد أن تبدأ هذه المحادثات في النصف الأول من عام 2005، بحيث تؤدي في النهاية إلى عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي، خلال عقد من الزمان، أي بحلول عام 2015 على وجه التقريب.
بيد أن ما يحدث في ذات الوقت، هو أن أعداء فكرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، يقومون حاليا بحشد قواهم في مختلف أنحاء القارة، كما يحاولون إيصال صوت معارضتهم للجميع. وهذا التطور يشكل إحراجا سياسيا كبيرا للقادة الأوروبيين: فالرئيس الفرنسي "جاك شيراك"، على سبيل المثال، يعتبر من كبار المدافعين عن فكرة انضمام تركيا للاتحاد، ولكن حزبه المنتمي لتيار يمين الوسط (حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية) يعارض تلك الفكرة إلى حد كبير. أما باقي الأحزاب الفرنسية الأخرى، بما في ذلك الأحزاب الاشتراكية المعارضة، فهي منقسمة على نفسها بشأن هذا الموضوع.
وقد أجبر ذلك "شيراك" على تقديم تنازلات كبيرة، بما في ذلك تقديم وعد بإجراء استفتاء في فرنسا على موضوع انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، بمجرد استكمال المفاوضات الخاصة بذلك. كما أدلى "شيراك" في هذا السياق أيضا بتصريح قال فيه إن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يقوم بتعليق المفاوضات مع تركيا- في أي لحظة- إذا ما تراجعت الأخيرة عن ممارسة الديمقراطية على الطراز الأوروبي، أو انحرفت عنها.
أما المستشار الألماني "جيرهارد شرودر" وهو من المدافعين الأقوياء عن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فقد تعرض لإحراج مماثل. سبب هذا الإحراج يرجع إلى أن ألمانيا يوجد بها قرابة 2.5 مليون تركي و600 ألف ألماني من أصول تركية، وأن البلد نتيجة لذلك منقسمة انقساما عميقا على نفسها بشأن عضوية تركيا التي تواجه معارضة شرسة من قبل الديمقراطيين المسيحيين على وجه التحديد.
وهناك إلى جانب ذلك بلدان أخرى معارضة لتلك الفكرة منها على سبيل المثال بولندا ذات الأغلبية "الكاثولوكية"، التي تعارض تلك الفكرة بشدة،وتعبر عن مخاوفها المتعلقة بإمكانية فقدان أوروبا لروحها، وشخصيتها، وقيمها التاريخية.
والمعارضون لانضمام تركيا يبررون معارضتهم بأن تركيا التي يبلغ تعداد سكانها زهاء 70 مليون مواطن تقريبا هي دولة فقيرة ومتخلفة، علاوة على أنها غير أوروبية على وجه الإطلاق. وأن الأراضي التركية الواقعة في القارة الأوروبية لا تزيد على 3 في المئة من مساحتها، أما باقي مساحتها الضخمة التي تبلغ 700 ألف كيلومتر مربع فتقع في قارة آسيا، وأنه في حالة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي فإن حدود هذا الأخير ستمتد إلى سوريا والعراق وأذربيجان. كما أن مركز الثقل الأوروبي سوف يتحول شرقا أي إلى أكثر المناطق تفجرا على ظهر الكوكب، وهي المناطق التي يتصارع فيها السنة والشيعة، والأكراد، والعراقيين، والأتراك، والأرمن ، ناهيك عن العرب واليهود منذ عقود طويلة. ويذهب المعارضون إلى القول أن ذلك لو حدث فإنه لن يكون أمرا خطيرا فحسب، بل أنه قد يكون بمثابة انتحار لأوروبا.
وبعض المعادين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي معادون للإسلام الذي ينظرون إليه على اعتبار أنه يمثل تهديد لتراث أوروبا في الاستنارة. وهم يشيرون إلى أنه بانضمام تركيا إلى أوروبا، فإن نسبة المسلمين في القارة سوف تصبح 20 في المئة من إجمالي سكانها، مقارنة بـ 3 في المئة الآن.
وهناك نقطة أخرى مثيرة للقلق بالنسبة لهؤلاء، وهي أن الدستور الأوروبي المقترح ينص على أن القوة التصويتية ترتبط بحجم السكان، مما يعني أن أنقرة يمكن مع الوقت أن تصبح لاعبا مهما في الساحة الأوروبية، لا يقل في أهميته عن برلين، أو باريس أو لندن.
وهذا القلق تم التعبير عنه من قبل شخصية في وزن رئيس الوزراء الفرنسي "جان