قبل أيام تحدث المندوب الأميركي لدى مجلس الأمن جون دانفورث إلى صحيفة "الحياة" واضعا النقاط السوداء على حروف القرارات "الديكتاتورية" الأميركية. الموضوع كان يخص القرار 1559، المتعلق بالسيادة على الأراضي اللبنانية وبالمطلوب من سوريا فعله لتدخل حظيرة المرضي عنهم. الحديث كان واضحا، صريحا، لكنه مع الأسف جاء في بعضه متناقضا.
السيد دانفورث كشف عن أنيابه وقال للسوريين في رسالة واضحة: أخرجوا من لبنان ...غادروه اسحبوا جنودكم (20 الف جندي) وانزعوا سلاح "حزب الله" وتوقفوا عن التدخل في الشؤون اللبنانية. وقال أيضا، إن لبنان بلد مستقل ويتمتع بالسيادة، ولا بد من احترام هذه السيادة. وقال أيضا:إن لبنان بلد قادر على تدبير أموره ...وينبغي "السماح" (ألف سطر تحت كلمة السماح) للبنان بأن يعمل ويتصرف كأي دولة مستقلة تحترم نفسها.
من حق دانفورث بناء على منصبه وكونه بوقا للخارجية الأميركية أن يقول ما شاء، فهذه وجهة نظره والمفروض أننا في زمن "ديمقراطي"، وهو يتحدث من أرض تبشر بالديمقراطية. من حقه إذا أن يدعو السوريين إلى الخروج من لبنان فهذا موقفه وهو حر فيه. وأن يدعوهم لسحب جنودهم فهذه دعوة كررها غيره أيضا ويمكن وضعها تحت خانة إبداء الرأي. أما أن يطالب السوريين بنزع سلاح "حزب الله" اللبناني، فهنا وقع دانفورث في مطب وحسب أقوال إخواننا المصريين "...وماحدش سمى عليه".
فإذا كان السفير الأميركي يطالب بعدم تدخل سوريا في الشأن اللبناني، كيف يناقض نفسه ويصر عليها أن تتدخل في حل ميليشيا حزب لبناني ممثل في البرلمان وله قاعدة شعبية طائفية كبيرة، هذا إذا تغاضينا عن ذكر الدين الذي يدين به كل لبناني للمقاومة التي حررت الأراضي اللبنانية من المحتل الإسرائيلي والتي تشكلت في معظمها من "حزب الله".
وإذا كان السفير معتدا باستقلال لبنان وسيادته ويؤكد على ضرورة احترام هذه السيادة، لماذا لم يحترم هو أولا هذا "الاستقلال" وتلك "السيادة" ويترك للبنان وحكومته وشعبه وقوات أمنه وجيشه _في حال اقتضى الأمر استخدام الجيش_ تقرير مصير "حزب الله" وما إذا كان هنالك ضرورة لحل ميليشيته، وكيف؟
إن الطلب الذي أصر عليه سعادة السفير هو تدخل سافر في الشأن اللبناني والشأن السوري، وإذا ما نفذته سوريا سيحدث شرخا فظيعا في النفوس وسيكون تثبيتا للدور الذي ارتضاه العالم أجمع لها في لبنان، خلال 25 سنة من صمت... القبور.
إذا لم يطالب اللبنانيون أنفسهم، -كل اللبنانيين- وبعد كل القهر والظلم والدم والدمار والخراب الذي حل بالوطن، السوريين بالانسحاب رغم علمهم بنوعية "الأخوة" التي تربط البلدين، فهذا يعني أنهم لا يستحقون السيادة والاستقلال.
قبل الانسحاب السوري من لبنان، أطالبت به أميركا أم لم تطالب، يجب أن يكون هنالك توافق على نوعية السيادة التي يريدها اللبنانيون لوطنهم. يجب أن يشعروا أن لديهم وطنا، وليس "سوبر ماركت" لإتمام عمليات البيع والشراء ولمن يدفع أكثر أو ...يوجع أكثر.