رؤية فرنسية: أميركا دخلت حالة فرز بالغ الوضوح بين اليمين واليسار


من صحف ومجلات باريس الصادرة هذا الأسبوع اخترنا في هذه الإضاءة الموجزة موضوعات متعلقة بعثرات الاقتصاد الفرنسي، وإطلاق مبادرة جديدة في باريس من أجل السلام في الشرق الأوسط، والحملة الانتخابية الأميركية.


أسئلة عن النموذج الفرنسي


 تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوفيغارو افتتاحية خصصتها لعثرات الاقتصاد الفرنسي والضعف البنيوي الذي يعانيه عاماً بعد عام من خلال عدم قدرته على جذب الاستثمارات، وعدم فاعليته على الساحة الاقتصادية الدولية. ويذهب كاتب الافتتاحية إيف ترييار إلى أن الحديث عن نموذج اقتصادي فرنسي يلهم الدول الأخرى بات نوعاً من التمنيات غير الواقعية، أو الحنين إلى الماضي في أحسن الأحوال. ففي استطلاع لمنتدى دافوس جاءت فرنسا في ترتيب الـ27 بين أكثر من مئة دولة من حيث حيوية اقتصادها ونشاطه. ولا يأتي بعد فرنسا من الدول الأوروبية "القديمة" سوى إيطاليا واليونان. أما الدول التي تصدرت الاستطلاع فهي فقط الدول التي تبنت خططاً اقتصادية واضحة، وذات رؤية بعيدة النظر كالولايات المتحدة (صاحبة الترتيب الثاني)، والمملكة المتحدة (الترتيب الحادي عشر)، ومعظم الدول الأسكندنافية ودول شمال أوروبا بصفة عامة. وما يعاني منه الاقتصاد الفرنسي يمكن إجماله –حسب ترييار- في سببين هما: القوانين الاجتماعية المُعيقة، والنظام الضريبي المرتفع للغاية. وما لم تتمكن الحكومة الفرنسية من إيجاد طريقة في الإصلاح فاعلة وديناميكية، فإن سمعة فرنسا واقتصادها ستبقى في حالة سقوط حر، لا تنفع معها حملات الدعاية، والعلاقات العامة، لأن الاستجابة لمثل هذا التحدي لابد أن تكون سياسية.


 مبادرة جديدة


من باريس شهدت باريس هذا الأسبوع محاولة جريئة لإلقاء حجر في سكون بِركة عملية التسوية في الشرق الأوسط التي وصلت إلى حالة من العطالة والتردي لا سابق لها. وفي صحيفة لومانيتيه (الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي)، نقرأ لفرانسواز جيرمن- روبن مقالاً عن إطلاق مبادرة جديدة من أجل إعادة إحياء الآمال في إقامة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على قاعدة وجود الدولتين المتجاورتين والمتعاونتين مع بعضهما بعضاً. وقد تولت إطلاق هذه المبادرة الجديدة شخصيات فلسطينية أبرزها ليلى شهيد ممثلة فلسطين في باريس، وشخصيات إسرائيلية، وفرنسية في مقدمتها ماري جورج بيفيه زعيمة الحزب الشيوعي الفرنسي. ويتفق جميع أطراف المبادرة على أن "سياسة شارون، تشكل كارثة بالنسبة للفلسطينيين، والإسرائيليين، على حد سواء، كما أن لها انعكاساتها السلبية التي تمتد آثارها إلى أوروبا، وتعبر عن نفسها من خلال المزيد من مظاهر اللاسامية والعنصرية". ومن هنا فإن على قوى اليسار الإسرائيلي والصهيوني الفرنسي أن تقول كلمتها وأن تبرز صوتها المختلف عن الطرح الليكودي الشاروني المتطرف الذي يعد في حد ذاته عائقاً أمام قيام السلام في الشرق الأوسط. أما عن احتمالات نجاح مبادرة باريس الجديدة، فلا تقول الكاتبة شيئاً عن ذلك، في إشارة ضمنية إلى أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على مدى فاعليتها.


الخيار الأميركي


 صحيفة لوموند نشرت افتتاحية بهذا العنوان غداة المناظرة الثالثة والأخيرة بين مرشحي الرئاسة الأميركية الرئيس بوش والسيناتور كيري، وفيها ذهبت إلى أن المفاجئ في المناظرات الثلاث بين الرجلين هو أنها كانت جميعاً مناظرات جادة وعميقة، وسمحت بوضع برنامج كل من المرشحين في خانته الصحيحة مقيمة بذلك الحدود الفاصلة بوضوح بين رؤيتين مختلفتين تماماً، لكل منهما أسلوبها ومرئياتها لأميركا ومستقبلها ودورها في هذا العالم. وإن كان أحد المرشحين استفاد كثيراً من هذه المناظرات فهو بالتأكيد السيناتور كيري الذي تمكن من تصحيح صورته أمام الجمهور الأميركي خاصة ما يتعلق منها بمزاعم الحزب الجمهوري واتهاماته له بالعجز والضعف وعدم الحسم، ومن ثم تعريض أمن أميركا للخطر، إن هو تولى مقاليد الرئاسة. وتذهب لوموند إلى أن كيري على العكس من ذلك أقنع الأميركيين من خلال أدائه وأطروحاته، وقدرته على الحِجاج بأنه رجل "يصلح للرئاسة". كما تمكن المرشح الديمقراطي إلى جانب ذلك من حشر الرئيس بوش وفريق حملته في زاوية حرجة حين أثبت من واقع التقارير الرسمية الأميركية أن الإدارة كذبت على الأميركيين بخصوص أسلحة الدمار الشامل، متخلصاً في الوقت نفسه من تبعات تصويته هو شخصياً كسيناتور على قرار الحرب. وتنتهي الافتتاحية إلى أن ما خرج به المراقبون بصفة عامة من هذه المناظرات هو أن أميركا تشهد الآن فرزاً حقيقياً لا سابق له بين يسار صريح وواضح يريد بناء أميركا مفتوحة، ويمين واضح أيضاً وأحادي التوجهات بشكل قاطع. وهكذا فإن أمام المواطنين الأميركيين الآن أن يختاروا يوم 2 نو