رئيس "حازم" للصومال في لحظة "تفادي السقوط"!


ربما لا يضاهي حاجة الصومال إلى المصالحة واستعادة الأمن والاستقرار السياسي، سوى الآمال "العراض" التي أطلقاها رئيسه الجديد المنتخب عبد الله يوسف أحمد. فقد وعد بتحقيق السلام والوئام بين قوى المجتمع الصومالي وتشكيل الهيئات الحكومية الانتقالية وإعادة إعمار البلاد، وأعلن اثر انتخابه ليل الأحد -الاثنين الماضي انه سيعيد إدماج الميليشيات المسلحة الصومالية، ويضع دستورا جديدا تجري بموجبه انتخابات عامة في نهاية الفترة الانتقالية التي تمتد خمس سنوات قادمة! ويشير اختيار عبد الله يوسف أحمد رئيسا انتقاليا للصومال إلى موقعه وسط توازنات صلبة وشديدة الحساسية في وقت واحد. فقد تصدر ثلاث جولات اقتراع داخل البرلمان الصومالي؛ جرت الأولى منها في العاشر من أكتوبر الجاري، وتنافس فيها 28 مرشحا من زعماء القبائل وأمراء الحرب والقادة السياسيين بمن فيهم رئيس الحكومة الانتقالية المنصرفة عبد القاسم صلاد. وفي الجولة الثالثة انحصرت المنافسة بين عبد الله يوسف وبين وزير المالية وسفير الصومال السابق في واشنطن عبد الله أحمد عدو، ليفوز الأول بما مجموعه 185 صوتا من أصل 275 هي عدد مقاعد البرلمان. وجاء اختيار عبد الله يوسف رئيسا للصومال كخطوة أخرى نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة وإحلال النظام في هذا البلد الذي طحنته الفوضى والاحتراب الداخلي منذ الإطاحة بالدكتاتور السابق محمد سياد بري في يناير 1991.


 فمنذ أكتوبر 2002 جرت محادثات شاقة في كينيا، أنتجت في اشهرها الأولى اتفاقا لوقف إطلاق النار وقعه أربعة قادة رئيسيين، من بينهم عبد الله يوسف، ونجحوا في تطبيقه، ثم بدؤوا سلسلة اجتماعات توسعت واستمرت 18 شهرا، أقر خلالها ممثلو القبائل الصومالية دستورا مؤقتا للبلاد وتوصلوا إلى تشكيل برلمان في أغسطس الماضي هو الأول من نوعه في الصومال منذ 13 عاما، ثم قام البرلمان بانتخاب الرئيس الذي ينتظر أن يعين بدوره رئيس وزراء من مهامه تشكيل أول حكومة مركزية تتولى مسؤولية إعادة البناء وتثبيت الأمن والنظام. وللرد على مطلب الأمن وإعادة البناء، ربما يعول الصوماليون على الخبرة والتأثير الذين يتمتع بهما الرئيس الجديد، ويرى بعضهم أنه "رجل قوي سيحقق القانون والنظام في البلاد"؛ فهو أحد زعماء الحرب وأصحاب النفوذ في الصومال وينتمي إلى واحدة من القبائل الصومالية الرئيسية الأربع هي قبيلة الدارود التي يقيم أغلب أفرادها في إقليم "بلاد بونت" شبه المستقل في أقصى شرق الصومال، وهو رئيس هذا الإقليم، وفيه ولد عام 1936 وتلقى بعض تعليمه، ثم التحق بالجيش ونال تدريبا في عدد من الكليات العسكرية في إيطاليا ثم في الاتحاد السوفيتي السابق، وكان ضابطا بارزا في القوات المسلحة الصومالية خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد سياد بري، لكنه قاد أول تمرد عسكري فاشل ضد بري في أبريل 1978 واضطر للهرب إلى أثيوبيا حيث بدأ من هناك حرب أحراش وواصل محاولاته للإطاحة ببري. وينظر إلى عبد الله يوسف بوصفه "عسكريا حازما" جعل من ولاية "بونت لاند" منطقة هادئة ومستقرة طوال سنوات الحرب السابقة.


ومنذ وقت مبكر تحالف مع أثيوبيا وظل أقرب القادة الصوماليين إليها، فشكل بدعم منها ما عرف باسم "المجلس الصومالي لإعادة البناء" الذي ضم زعماء حرب معارضين لحكومة صلاد، ثم وقفت أثيوبيا مرة أخرى وراء ترشيحه وفوزه بالرئاسة. بيد أن الرئيس يوسف يعد، وفقا لعدد من المراقبين، حليفا معلنا للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، حيث تعتقد واشنطن أن المناطق الصومالية قد تشكل ملاذا لعناصر "القاعدة" في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد. بل إن الرئيس الصومالي الجديد كشف النقاب في حديث صحفي نشر مؤخرا عن تسلل مجموعات من "المتطرفين العرب" الذين وصفهم بالمرتزقة إلى الصومال، قائلا انهم من "القاعدة" أو "الجهاد"، كما أوضح أن القوات الأميركية تمشط المياه الدولية قبالة سواحل إقليم بلاد بونت، وان فصيله يتعاون مع هذه القواعت لحماية المجتمع الصومالي من شرور الإرهابيين. وخلافا للرئيس السابق عبده قاسم صلاد الذي يجيد اللغة العربية، لا يتحدثها الرئيس عبد الله يوسف وليس له علاقات عربية واسعة.


ورغم صداقته وزياراته المتكررة إلى ليبيا، فقد رفض وثيقة المصالحة التي وقعها في طرابلس في نوفمبر 2003 عدد من قادة الفصائل الصومالية ومعهم الرئيس صلاد، وندد مرارا بـ"التدخلات العربية" في الصومال، واتهم بعض الأطراف قائلا: "ما مصلحة دولة عربية كبيرة كمصر في تقويض مساعي إحلال السلام التي تقوم بها "الإيجاد" في الصومال؟"! وبعيد تنصيبه دعا الرئيس عبدالله يوسف المجتمع الدولي إلى إرسال قوة عسكرية إلى الصومال لدعم جهود حكومته في إعادة الإعمار، ورحب بإعلان الاتحاد الأفريقي عن نيته إرسال قوة في وقت قريب إلى الصومال. لكن ما من شك في أن التحديات التي تواجه الرئيس الصومالي الجديد ستكون كبيرة وقاسية، فهو من الناحية ال