من الصعب جدا أن ترد الأنباء السارة والإيجابية عن العراق في هذين اليومين. ولأسباب موضوعية، فإن تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية على درجة من التشاؤم لما يمكن أن تؤول إليه الأمور هناك. فالملاحظ هو تصاعد الهجمات اليومية على القوات الأميركية والمدنيين العراقيين، كما تصاعدت عمليات الاختطاف والاغتيالات دون أن يتمكن أحد من وقفها، وتتوفر مساحات متعددة للمقاتلين المتمردين، أحسنت القوات الأميركية تسميتها بـ "المناطق المحظورة". وتمكن هذه المساحات والمناطق المتمردين من التخطيط لعملياتهم وإعادة تنظيم صفوفهم وقواتهم، إضافة إلى إعادة التسليح. وقد أرغمت عمليات الاختطاف المستمر للأجانب، المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية على سحب موظفيها الدوليين من العراق، وتقليص برامجها التي يجري تنفيذها هناك، مع العلم أن هذه المنظمات قد تناقص وجودها كثيرا في الآونة الأخيرة.
في المقابل ونتيجة لانعدام الأمن، فقد أصبح من الصعب جدا على المقاولين التحرك بأمان خارج حدود المنطقة الخضراء المحمية. وطالما أنه لم يتم صرف أكثر من مليار دولار واحد، من جملة مبلغ الـ 18،4 مليار المخصصة من قبل الولايات المتحدة الأميركية لإعادة إعمار العراق، فإن ذلك يشير إلى أنه ليس من المرتقب أن يتم تسريع إنفاق المبلغ المخصص لإعادة الإعمار، وهو ليس بالمؤشر الجيد بأية حال من الأحوال. أما القوات العراقية الناشئة، ومعها القوات الأميركية والدولية، فهما تبديان تخوفا متناميا من أن يؤدي تصعيد القتال ضد المتمردين، إلى وقوع المزيد من الضحايا بين صفوف المدنيين العزل. في المقابل يستثمر الإرهابيون الأجانب هذا التردد في تأجيج نار التمرد في الداخل. والهدف الذي ترمي إليه عمليات هؤلاء هو عرقلة الانتقال نحو الديمقراطية عن طريق تسديد الضربات وتنفيذ العمليات ضد مسؤولي الحكومة العراقية المؤقتة وتدمير البنية التحتية الأساسية وكذلك مهاجمة المدنين العراقيين.
وهناك أيضا الدرس الذي يمكن تعلمه من كافة تجارب وظروف ما بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية. ففي هذه الظروف عادة ما تطل برأسها الانتماءات العرقية القومية الكامنة، التي يشجعها عادة القادة الطامعون في الوصول إلى السلطة. ومن شأن التنافس بين هذه العرقيات، أن يؤدي إلى نشوب عنف طائفي، والانعزالية، بل وحتى نشوب الحرب الأهلية، وإشاعة الفوضى العامة التي لن تكون أمرا غريبا ولا مفاجئا إذا ما حدثت في العراق. ويكمن الخطر الناشئ عن ضعف الحكومة العراقية المؤقتة من جانب، وتصاعد قوة وعمليات المقاتلين المتمردين، في أن وضعا كهذا، يمكن أن يسمح لمجموعة من المتمردين جيدة التمويل والتخطيط، أن تعصف بالتوازن العرقي الضعيف الذي نراه الآن في العراق، فتشعل نار الفتنة والحرب الطائفية العرقية فيه. فما العمل إزاء واقع كهذا؟ ابتداء، فقد حانت لحظة صب الاهتمام كله على بناء القدرة البشرية، وذلك بتدريب العناصر المعتدلة واستقطاب جهودها في عملية السلام. وقد رأيت بنفسي من الأدلة ما يؤكد إمكان تطبيق هذه الفكرة.
فبصفتي عضو من أعضاء فريق التدريب التابع للمعهد الأميركي لإدارة نزاعات السلام الذي زار العراق خلال هذا الصيف، أتيحت لي فرصة العمل من أجل حفز التعاون والتفاهم بين مختلف الجماعات العرقية والدينية هناك. هذا وقد تضمنت أهداف مؤتمر إدارة النزاع الذي عقد، تعزيز القدرات المحلية وتمكينها من إدارة المشكلات المتنازع حولها، التي تواجه المجتمع ككل، وتدريس المبادئ والمهارات الأساسية التي يحتاجها من يتولون إدارة تلك النزاعات محليا، من أجل حفز التحاور والتفاهم فيما بين المجموعات المختلفة. وكان غالبية من تلقوا التدريبات المذكورة من الرمادي، بغداد، تكريت، البلد، الموصل وكركوك. وكانت من بين الحضور 17 امرأة بين 41 متدربا، أسهمن في إثراء النقاش وإضفاء حيوية عليه، بإرغامهن أقرانهن التقليديين من الذكور، على الاستماع لوجهات النظر التقدمية حول ما كان يثار من قضايا. وكان الذكور المشاركون في هذه الدورة التدريبية قد استبعدوا تماما فكرة أنهم بحاجة للتوعية حول حقوق المرأة، حتى يصبح ممكنا تغيير الثقافة الاجتماعية القائمة على التمييز والتفرقة بين الجنسين. ومن جانب النساء، فقد ثارت ثورتهن عندما صاح فيهن الذكور قائلين: تلك مشكلتكن.
وكانت صراحة المتدربين وحماسهم وحرصهم على المشاركة لافتة للنظر ومثيرة للإعجاب بحق. قبل عام واحد من الآن، كانت قد جرت مناقشات حول قضايا شبيهة، كانت خالية تماما من مستوى الوعي والإدراك الذي تحقق في هذه الدورة التدريبية الصيفية الأخيرة. وقد اتضح أن للمشاركين إلمام جيد وآراء مستنيرة حول الوضع السياسي في بلادهم، وناقشوا بمعرفة الخطط الرامية لإجراء الانتخابات العامة المرتقبة. وعلى رغم أنهم أثاروا بعض الشكاوي والانتقادات للأخطاء التي ارتكبتها سلطة التحالف الدولي المؤقتة، ومخاطر الوضع الأمني، إلا أنهم يتطلعون ويرقبون تطورات الأوضاع، ويرغبون في المشاركة في بناء العراق الجديد. ويمثل هذا