هلا تأملت معي عزيزي القارئ وجوه الناس في رمضان؟ وهلا تساءلت معي عن سر التغيير الذي يحصل للجميع في هذا الشهر؟ وهل خطر في بالك كما هو في عقلي سؤال محير مصدره السعادة التي تعم الناس في هذا الشهر الكريم؟ وهل تفكرت في أسرار هذه السعادة وحدودها؟ لحظات يقضيها المرء في مطلع هذا الشهر متسائلا عن هذه الأسرار وفي رأي المتواضع أن وراء هذه السعادة قرار يتخذه الإنسان، وبالإمكان مد هذه السعادة طوال العمر لمن كانت له شجاعة القرار. بعيدا عن الألغاز التي بدأنا بها المقال، دعونا نذهب في رحلة تاريخية مع الإنسان فنرى أن حياته مجموعة من القرارات. و كلمة قرار لها العديد من المعاني الواردة في كتابات علم النفس، منها قولهم إن القرار هو مهارة الاختيار المناسب للبديل المناسب بالطريقة المناسبة. ومن التعريفات كذلك قولهم إن عملية اتخاذ القرار مفهوم ذهني نقوم من خلاله باختيار أفضل السبل أو البدائل لتحقيق الأهداف، بلغة بسيطة. سر القرار يكمن في اختيار البديل المناسب من بين عدد من البدائل المتاحة، بعد كل ما سبق نبدأ الرحلة.
عندما خلق الله تعالى آدم عليه السلام جعل له سمة مميزة عن بقية السمات. وكان- أي الإنسان- هو من قرر التزود بهذه السمة ألا وهي الحرية في اتخاذ القرار. قال تعالى:"إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا". لقد قرر الإنسان تحمل مسؤولية اتخاذ القرار في حياته ومن هنا فإن حياتنا هي مجموعة لا متناهية من القرارات الصائبة والتي تقودنا إلى الفرحة أو القرارات الخاطئة والتي في ظاهرها السرور لكن نهايتها حزن وقلق. آدم عليه السلام وجد في الجنة ومعه حواء لكنه قرر و أؤكد الكلمة قرر الأكل من الشجرة التي نهي عنها، فماذا كانت النتيجة؟ لقد فشل في الاختبار الأول لكنه نجح في الثاني فكان قراره العودة إلى الله وطلب التوبة منه، فنزل بعدها آدم إلى الأرض كي يقرر، لكن الله تعالى ومن رحمته بعباده لم يتركه كي يتعلم من خلال الصواب والخطأ كما تحاول بعض الأبحاث أن تقول لنا، لقد قال له بكل صراحة "قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى". حياتنا مجموعة من القرارات سر السعادة كامن فيها، وكي نبعد عن التنظير إلى الواقع دعونا نسوق هذا المثل.
يعد الجنس من الحاجات الأساسية للكائن البشري، بل هو من ألذ الممارسات التي يقوم بها الإنسان، السؤال يكمن في قرار إشباع هذه الغريزة، فمن قرر إشباعها بالحرام فإنه سيفرح لكن لأجل وربما لثوان معلومات، لكن من قرر التعامل معها وفق ما شرع الله تعالى فإن سر سعادته كامن في هذا القرار. وقد شوش هذا المعنى بعض الصحابة رضوان الله عليهم فقالوا للرسول عليه السلام: "أيأتي أحدنا شهوته وله أجر؟ فقال الرسول عليه الصلاة والسلام:أرأيتم لوضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها الحلال كان له أله أجر". لقد جاء الإسلام ليس كما يفهمه البعض بتحريم الأمور على الناس لكنه جاء يساعدهم في اتخاذ القرارات الناجحة في حياتهم لأنها سر السعادة لهم في الدنيا قبل الآخرة.
جاء رمضان ليقول لنا سأساعدك على اكتشاف أسرار السعادة، إنها في القرار الناجح الذي تتخذه كل يوم في طاعة الله تعالى. فقد أمرك بالامتناع عن ما أحل لك في بقية العام فترة بسيطة من الزمن لا تستطيع فيها أن تشبع بعض حاجاتك الأساسية كالطعام والشراب والجنس. فإذا لبيت هذه الدعوة ونجحت في صنع هذا القرار كافأك الله تعالى بسعادة لا تدرك سرها، إنها سعادة القرار الناجح. لهذا نجد هتاف النبي عليه الصلاة والسلام عندما جاء رمضان فقال للناس في الحديث عن رب العالمين كما أخرجه مسلم:"يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه" فإذا كان بالإمكان مسك النفس عن المباح والحلال خلال نهار رمضان هل بإمكان الإنسان اتخاذ القرار الناجح بالامتناع عن الحرام بقية العام؟ في هذا القرار تكمن السعادة. لكن ماذا يفعل من حاول وفشل؟ الجواب هو ما فعله آدم عليه السلام، والسلام.