لقد كانت لكبار المسؤولين الفرنسيين وأصدقائهم من رجال المال والاستثمارات أسبابهم في محاولة وقف الولايات المتحدة من إسقاط نظام صدام حسين. فقد كانوا يكسبون مليارات الفرنكات الفرنسية عبر برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة، في عهد صدام حسين. تلك هي بعض الحقائق التي كشف عنها تقرير مجموعة "ديوفلر" الذي صدر مؤخرا. ولم تقتصر نتائج التقرير على الكشف عن "منح امتيازات اقتصادية ومالية لكبار الدبلوماسيين الفرنسيين وغيرهم من الأفراد النافذين، من ذوي العلاقات بكبار القادة الفرنسيين فحسب، إنما نجح هؤلاء في جعل طارق عزيز الناطق الرسمي باسم صدام حسين، بوقا للتعبير عن أهدافهم ونواياهم". وفقا لطارق عزيز: فإن كلا الطرفين يدركان أن إعادة بيع النفط، يجب أن تتم عبر الجهود الرامية إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على العراق، أو من خلال الاعتراض على المبادرات الأميركية داخل مجلس الأمن الدولي.
وقد أشار تقرير مجموعة "ديوفلر" تحديدا لاسم شارل باسكوا وزير الداخلية الفرنسي السابق والسناتور حاليا. غير أن باسكوا أنكر كل ذلك لهيئة الإذاعة البريطانية، ونسب الأمر لشخصيات غيره، ربما كانوا وزراء سابقين على حد تعبيره. كما شملت القائمة اسم جان بيرنارد ميرمي، سفير فرنسا السابق لدى الأمم المتحدة، وأشير إليه على أنه كان يتلقى بطاقات تكفي لشراء 11 مليون برميل نفط من صدام حسين، مع العلم بأن عائدات تلك الكمية من النفط، تتجاوز راتب أي دبلوماسي، مهما كان راتبه وامتيازاته. ومن أصحاب الحظوة بعائدات النفط العراقي الناشئة عن سوء استغلال برنامج النفط مقابل الغذاء، باتريك ماجوين، الذي وصف بأنه أحد "المقربين" من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، على حد ما يرى المسؤولون العراقيون. يبلغ عمر ماجوين 58 عاما، وقد كتب الصحفي الفرنسي كارل لاسكي سيرة صداقته وارتباطه بالرئيس الفرنسي شيراك، في فترات متباينة. يعمل ماجوين رئيسا لشركة "سوكو" النفطية المستثمرة في فيتنام. وقد أشار التقرير إلى أن ماجوين كان يتلقى حصة من النفط العراقي المذكور، تبلغ 13 مليون برميل. أما شركتا النفط الفرنسيتان "توتال" و"سوكاب"، فتتلقيان نحوا من 200 مليون برميل من حصة برنامج النفط مقابل الغذاء.
وهناك اسم آخر ظل يتردد كثيرا ومرارا في التقرير المشار إليه آنفا، هو مارك ريك، الذي ظل ملاحقا من قبل العدالة لعدة سنوات، حتى عفا عنه في ليلة ما الرئيس الأسبق بيل كلينتون . أما الشركة التابعة لريك فهي شركة "ترافيجورا"، وهي عبارة عن فرع تابع لشركة "جلينكور" السويسرية. وربما كانت لهذه الشركة معاملات وعلاقات استثمارية تجارية مع مجموعة "بول كاير إبيكس"، التي ربما كانت لها علاقة هي الأخرى بقسط من عائدات برنامج النفط مقابل الغذاء.
هذا وقد عبرت ردة الفعل الفرنسية الرسمية، سيما في أوساط الدبلوماسيين، عن حالة من العجز والارتباك إزاء ما ورد في تقرير مجموعة ديوفلر، بينما وصفه الكثيرون منهم بأنه "غير مقبول" إطلاقا. صحيح أن المعلومات الواردة في التقرير لم يتم الثتبت منها بعد، وربما كان ذلك سببا أو حجة لتشكيك الدبلوماسيين والمسؤولين الفرنسيين حول ما ورد فيه، من باب الطعن في أن شخصيات ورجال استثمارات وشركات ومؤسسات أميركية متورطة في ممارسات الفساد التي صحبت توزيع حصص برنامج النفط مقابل الغذاء، إلا أن تقرير المجموعة المذكورة، لم يشر إلى تلك الأسماء من قريب أو بعيد، وقصر الأمر كله على الشخصيات والمؤسسات الفرنسية وحدها. وقال منتقدو التقرير الفرنسيون، أن التقرير جاء منحازا لصالح الموقف الأميركي، ورمى إلى الطعن في قوانين "الخصوصية الفرنسية".
لكن وبعد مضي 24 ساعة فحسب، على نشر التقرير، كان لدى جوديث ميلر ورفاقها، قائمة بأسماء الشركات الأميركية المتورطة في ممارسات الفساد التي صاحبت برنامج النفط مقابل الغذاء. وقد شملت القائمة الأميركية، كلا من: شيفرون، موبيل، تيكساكو، باي أويل، وكذلك شركة أوسكار المملوكة لوايت جي آر. من هوتسون، الذي ربما يكون قد حقق أرباحا من البرنامج المذكور تصل إلى 23 مليون دولار، وقد نشرت هذه الفضيحة في الصفحة الأولى لصحيفة "نيويورك تايمز". من جانبها، فقد أصدرت لجنة التحقيقات الفرعية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، عددا من القرارات والتوجيهات الداعية لتجاهل الرسائل الموجهة من قبل السناتور نورم كولمان، إلى الشركات الاستثمارية الأميركية، وغيرها من الشركات متعددة القوميات، المستثمرة في الولايات المتحدة الأميركية. وحسب علمي، فإن اللجنة الفرعية المذكورة، لم تواجه بأي اعتراضات قانونية حتى هذه اللحظة. ومن بين الشركات المعنية، شركة " تاوروس أويل" التابعة لبين بولنر، وهي شركة ظلت تعمل في العراق طوال فترة برنامج النفط مقابل الغذاء. وقال لي رئيسها ومالكها بولنر، إن نشاط شركته قد اتسم بالقانونية باستمرار، وإنه لا يتوقع أن يجرى أي تحقيق قانوني معه.
ليس الفرنسيون وحدهم هم المستفيدون، بل تمكن المسؤولون الروس والأقلية ال