لعل السؤال الأكبر الذي يجب طرحه بعد التفجيرات الإرهابية في طابا ونويبع على الحدود المصرية-الإسرائيلية هو: هل يمكن اعتبار هذه التفجيرات عملاً منفرداً وحدثاً منتهيا وصفحة طويت أم أنها مجرد مقدمة وحلقة أولى في سلسلة قادمة؟ إن الإجابة على هذا السؤال مسألة معقدة ، وهي إجابة تقتضي جمع المعلومات الاستخباراتية.
هل الهدف الانتقام من إسرائيل لعدوانها المتصل على الشعب الفلسطيني كما يستشف من تعليق نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس عرفات؟ إن هذا المعنى نفسه ورد في بيان أصدرته حركة تدعى الجماعة الإسلامية الإعلامية، حيث جاء فيه :إن هذه الغزوة المباركة تأتي ثأراً لشيخ المجاهدين أحمد ياسين.
إن هذه الإجابة على السؤال الفرعي المتصل بالهدف من التفجيرات تعني إمكانية التوجه إلى ضرب أفواج السياح الإسرائيليين في دول أخرى معروف أنهم يتجمعون فيها في مواسم الإجازات، ولتصبح مصر في منأى عن تكرار هذه الهجمات. مما يعزز في تقديري هذا الاحتمال التحليل الذي كتبه في صحيفة "هاآرتس" زئيف شيف. وفي هذا التحليل يشير شيف إلى أن التفجيرات في سيناء هي نسخة طبق الأصل من الهجوم الذي وقع في مومباسا في كينيا في نوفمبر 2002. فلقد عمل تنظيم "القاعدة" على الاستفادة من المسلمين المحليين هناك واختار هدفاً سهلاً وهو فندق" بارادايس" الذي اعتاد إسرائيليون كثيرون على النزول فيه في إجازاتهم. ويواصل شيف تحليله بقوله وكما هو الحال في كينيا، فكذلك الحال في سيناء فهناك شواطئ تعتبر مقصداً شعبياً ودائماً للسياح الإسرائيليين ولهذا فإن آلاف الإسرائيليين الذين سافروا إلى سيناء في عيد المظال (سوكوت) والذين ذهبوا إلى الفنادق والمنتجعات السياحية التي اعتادوا النزول فيها في كل إجازة مثلوا هدفاً سهلاً ومغرياً للإرهابيين.
وفي الحقيقة فإن إشارة المحلل الإسرائيلي إلى عملية كينيا ومقارنتها بعملية سيناء تبدو قرينة قوية على احتمال توجه الضربات إلى محطة سياحية ثالثة يؤمها السياح الإسرائيليون إذا كان هدف المنفذين هو مجرد الانتقام للقضية الفلسطينية.
السؤال الفرعي الثاني يقول: هل الهدف من التفجيرات محصور في الانتقام للفلسطينيين أم أنه يستهدف كذلك الإضرار المتعمد بالأمن المصري والمصالح المصرية؟
إن إجابتنا على هذا السؤال يجب أن تمر ببيان أصدرته الجماعة الإسلامية في مصر، وهي إحدى المجموعات الرئيسية التي مارست في الماضي أعمال الإرهاب داخل المدن المصرية ثم راجعت منهجها وتخلت عن هذا الأسلوب بعد ذلك. يقول البيان الذي صدر تحت عنوان:تفجيرات طابا... التفجيرات الخطأ في الوقت الخطأ": كنا نتوقع أن الذين قاموا بهذه التفجيرات يستهدفون دون أدنى شك الانتقام لشهداء الانتفاضة الفلسطينية، لكنها جاءت مفتقرة إلى السند الشرعي والحس السياسي السليم. ويعدد البيان اعتبارات إصدار هذا الحكم على هيئة النقاط التالية: 1- إن التفجيرات قد خلفت عدداً من الضحايا بين قتيل ومصاب ممن لا يجوز شرعاً استهدافهم بالقتل أو الإيذاء لثبوت وصف الإسلام لبعضهم أو لوجود شبهة أمان لآخرين أو لكونهم نساء وأطفالاً.2- إن هذه التفجيرات وإن تمت بشكل يوحي بالتنظيم إلا أنها تمثل تفجيرات عشوائية في اختيار الضحايا حيث لا يعرف منفذوها من ستصيبهم هذه التفجيرات على نحو الدقة...
من خلال هذه الأسانيد يمكننا أن نستشف أن فصيلاً إسلامياً في مصر يفترض أن التفجيرات جاءت مدفوعة بهدف واحد حصري، وهو الانتقام للفلسطينيين. ومن هنا فإنه يستبعد هدف النية المتعمدة للإضرار بالمصالح المصرية وأرواح المصريين، وبالتالي يبين للفاعلين نوع الخطأ الشرعي الذي وقعوا فيه باستهداف الإسرائيليين على أرض إسلامية وبين جموع المسلمين. وحتى كتابة هذا المقال فإن نتائج عمليات الإنقاذ والحصر لهويات القتلى والجرحى تدعم أسانيد الجماعة الإسلامية، حيث إن عدد القتلى المصريين بلغ ثلاثة عشر قتيلاً بينما لم تكتشف أكثر من عشر جثث للإسرائيليين.
السؤال الثالث يقول: هل يمكن القطع بأن الفاعلين بالضرورة هم من الجماعات الإسلامية الدولية كـ"القاعدة" أم أنه يمكن أن يكون الفاعلون منتمين إلى أجهزة استخبارات دولية ذات أهداف أوسع ترمي إلى تحقيقها من خلال تفجير منشآت مدنية على أرض مصر؟
لقد تبادر هذا السؤال إلى أذهان عدد من المراقبين نتيجة لإحساسهم أن المستفيد الأول من هذه التفجيرات هو شارون. فمن الواضح أن شارون الذي حاول مراراً طمس الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ووصمه بالإرهاب عمل على استغلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة لزرع فكرة مزيفة تفيد أن إسرائيل وأميركا تواجهان عدواً واحداً وهو الإرهاب الدولي. غير أن المتحدث الرسمي باسم رئيس الجمهورية في مصر سارع إلى اعتبار أن توجيه الاتهام في هذه المرحلة إلى أي جهة يعتبر أمراً متعجلاً.
إن الإجابة القاطعة على السؤال الأكبر المتصل بكون التفجيرات بداية أم نهاية للإرهاب في مصر ما زالت معلقة.