اللهم اهدم ديار الكافرين؟ هكذا سمعت خطيب الجمعة يقول واحترت أنا ماذا أفعل؟ التفت لشاب حولي قلت له هل انتبهت إلى هذه الروح الإجرامية بالدعوة بالغرق والحرق والقتل والزلازل على قوم ذنبهم خلافهم العقائدي معنا؟ . قال الشاب: لقد كانت مخففة أما أنا فسمعت من يدعو: "اللهم رمل نساءهم ويتم أطفالهم وزلزل أقدامهم وأسقط طائراتهم وأرنا عجائب خلق الله فيهم؟. ومع أن الله سمح لهم بالوجود والحياة وشمسه تشرق على الأشرار والأبرار ولكن جماعتنا يحجبونها عن أربعة أخماس الجنس البشري. ولكن لماذا؟ لماذا هذه الكراهية للآخرين؟ لماذا نحن مشحونون بهذا الفيض من الحقد والإجرام؟ لماذا لا ندعو لهم بالرحمة والهداية؟ والجواب إنها طبيعة الثقافة العدوانية التي نتشربها مع نعومة أظفارنا. وتسري هذه الروح المدمرة إلى صلاة العيد . فمع أن السنة تقول بخروج الناس كلهم بمن فيهم النساء الحيض في العيد إلى المصلى، ولكن المتشددين في بقاع من العالم الإسلامي ينشقون عن الجمهور ويلجئون إلى صلاة خاصة بهم فيرفعوا عقيرتهم بهدم الكرة الأرضية على رؤوس تسع أعشار الجنس البشري. وأنا أفهم أن خطبة الأعياد مصادرة لحساب وعاظ السلاطين ولكن هل المتشددين أرحم؟ ومع أن خطبة الجمعة جاءت للرحمة ولكن الأصوليين حولوا المنبر إلى مكان لاستمطار اللعنات على معظم الناس. وإشعال الحروب في كل الجبهات. وأكثر ما يهيجهم فيختنق صوت الإمام من الانفعال هي الأدعية على العلمانيين المرتدين من العرب أكثر من اليهود بثلاث مرات. وعندما يكرر الأمام اللعنات يختنق صوته بالبكاء والجماهير خلفه تؤمن بالقتل وأنا محتار بين التأمين والاستنكار.
وخطبة الجمعة مصادرة في العادة بيد ثلاث أحزاب: الموتورين والنائمين ووعاظ السلاطين. وإن حدث غلط فخرج عاقل يتكلم عزل بسرعة بأشد من الإيدز وأنفلونزا الطيور، فهذه هي رغبة الجماهير؟ ومن كرس ثقافة الحقد جمع التلاميذ والأعوان، ومن تسامح تبخر جمهوره. فأما الفريق الأول من الحاقدين على معظم الجنس البشري فيدعون بالدمار والويل والثبور لأمم لا نهاية أن يباد نسلهم ويقطع جذرهم وتغرق سفنهم ويهلكوا بددا فلا يبق منهم أحدا. وأما فريق (النائمين) فهم يتثاءبون في استراحة فقهاء العصر المملوكي أيام السلطان قلاوون الألفي قبل ألف سنة. ولا تدور خطبة الجمعة عن أكثر من الحور العين وفواكه الجنة في الوقت الذي يمشي المواطن العربي في جهنم أرضية منذ أيام كافور الإخشيدي. وأما وعاظ السلاطين فكل دعائهم للسلطان أن يشد بالحق أركانه ويقوي أعوانه. وفي بلدان عربية يجب ذكر رئيس الجمهورية بالاسم. وكنت في زيارة لبلد ثوري فهيأت نفسي لخطبة الجمعة أن أدعو فأقول: اللهم وفق رئيس الجمهورية إلى بناء الديموقراطية والتعددية وإراحة المواطن من فروع الأمن التي أصبحت مثل أبواب جهنم السبعة لكل باب منها جزء مقسوم. ولكنهم أراحوني من الخطبة فارتاحوا وارتحت.
وعنصر الأمن موجود لرفع تقرير عن كل خطبة فهم يحصون دبيب كل نملة وطنين كل نحلة فلعل فيروسا خطيرا ينشر وباء الاعتراض في أمة لا يوجد في قاموس ألفاظها كلمة اعتراض. حتى يمكن إعادة تشكيل الثقافة الإسلامية فلا بد من التخلص من النماذج الثلاثة من الأحزاب المتسلطة على المنبر التي توجه عقل مواطن يحضر الصلاة منذ ثلاثين سنة ولم يتعلم ثلاثين كلمة، ويؤثر الشخير مع علو صوت الواعظ، أو يتذكر مشاريعه التجارية فهي أجدى له من كلام لا يحل له مشكلة. وبنقلة نوعية من هذا النوع يمكن استبدال الأدعية العدوانية بأدعية رحمانية تدعو للسلام بين بني البشر وإيقاف نار الحروب. ولكن طلباً من هذا النوع بإيجاد وابتكار نماذج جديدة من خطب الجمع وأدعية محدثة وإدخال الديموقراطية إلى المسجد بالتعددية أي أن لا يتكرر خطيب واحد على منبر واحد أكثر من أسبوعين، ويأتي آخر من اتجاه آخر حتى يسمع المصلي كل أنواع الكلام، فمن أراد أن يثني على السلطان قلاوون الألفي فليفعل، ومن أراد أن يدعو لإحياء العقل فله ذلك، ومن أراد أن يتكلم عن فوائد التصوف فليشرح، ومن أراد أن يقول إن السلفية هي أفضل مذهب على وجه الأرض فلنسمح له، ولندع الجميع يتكلم فلا يصادر الجامع والمنبر اتجاه بعينه. ولكن كلامي هذا يشبه قصة جحا مع ابنة الملك. ففي يوم قال جحا لمن حوله: لقد خطبت بنت الملك، قالوا: مبروك. قال جحا: ووفرت كل الشروط إلا شرطاً واحداً؟ قالوا: وما هو يا جحا؟ قال: أن ترضى ابنة الملك بي؟