مركز الخليج للأبحاث ومقره مدينة دبي يعد من المراكز البحثية المهمة في المنطقة العربية بأكملها، المركز لم تشكله حكومة خليجية وإنما يملك فكرته رجل الأعمال السعودي عبد العزيز بن عثمان بن صقر الذي تلمس الحاجة إلى إقامة مركز متخصص في منطقة الخليج العربي يقوم على خدمة الباحثين ويزود الساسة بتصورات ودراسات عميقة حول مختلف القضايا التي تواجه المنطقة.
وكعادته دعا المركز إلى حلقة نقاشية لدراسة ظاهرة البطالة في دول مجلس التعاون وقدمت أوراق بحثية مختلفة تناقش أبعاد وخطورة زيادة نسب العاطلين عن العمل في دول مجلس التعاون. لا يختلف اثنان في أن دول مجلس التعاون الخليجي تعاني بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة من وجود خلل في أسواق العمل بها، وهذا يرجع إلى عوامل عديدة أهمها الطفرة النفطية التي شهدتها هذه الدول التي أدت إلى زيادة مشاريع التعمير وأدت بدورها إلى زيادة الاعتماد على العمالة الوافدة. ولمجلس التعاون الخليجي التي اشتهرت بتصديرها للنفط وباعتماد مداخيلها الاقتصادية على النفط، لا يصدق المرء أن هذا القطاع لا يوظف أكثر من 25 ألف مواطن خليجي ما يعد ظاهرة ملفتة للانتباه في حاجة لمعرفة أسبابها.
وبالرغم من شح الإحصاءات حول نسب البطالة في دول مجلس التعاون حيث بعض الدول يتعامل مع الأرقام باعتبارها أسرارا نووية وبعضها الآخر لم يقم بأي إحصاء رسمي إلى وقتنا هذا. إلا أن الأرقام تشير إلى تصاعد نسب البطالة بين دول المجلس وحسب الإحصاءات المنشورة فإن دول المجلس ستواجه كارثة في عام 2010 حيث يبلغ عدد الباحثين عن عمل ما يقارب 5 ملايين خليجي، ما ينذر بخطر يهدد الأمن الاجتماعي لهذه الدول.
السياسات الحكومية لدول المجلس لعبت دورا في الاختلالات الهيكلية لسوق العمل وساعدت على تفشي ظاهرة البطالة. فالوظيفة الحكومية أصبحت النموذج الأمثل أمام الشباب وأدى ذلك إلى تضخم الأجهزة الحكومية وتضخم بند الرواتب في ميزانيات دول المجلس. وكان نتيجة لانتهاج سياسة الرفاه الاجتماعي التي قامت على مبدأ توزيع المساعدات والمعونات إلى خلل في منظومة القيم الاجتماعية وإلى تشويه قيم العمل المنتج. أن ما يقلقنا هو تحول اتجاهات المواطنين حيال الوظيفة الحكومية التي اعتبرها المواطن حقا مكتسبا ومكونا أساسيا لمفهوم المواطنة. وفي ظل هذه السياسات تحولت المواطنة إلى مسوغ أو مبررا لتوزيع الدخل بغض النظر عن حجم العمل أو الإنجاز. ونتيجة لذلك تأثرت توقعات وطموحات المواطنين، فقد ساد الاعتقاد بأن التنمية هي مشروع بلا ألم وأن المال النفطي كفيل بكل شيء.
وتأتي قضية التداعيات الاجتماعية للبطالة إحدى نتائج السياسات الحكومية، حيث أكدت المؤشرات الإحصائية بأن هناك علاقة طردية بين ازدياد معدلات البطالة وظواهر العنف والتطرف التي غالبا ما يرتكبها العاطلون عن العمل من الشباب، وعلى وجه الخصوص. إن شعور هؤلاء الشباب بالإحباط يجعلهم أكثر عرضه للمنظمات المتطرفة.
دول المجلس عليها البدء في اتخاذ سياسات جديدة حيال اعتمادها على العمالة الوافدة وخصوصا الآسيوية ومعالجة الخلل في التركيبة السكانية لما في ذلك من خطورة مستقبلية على أمنها الاجتماعي والسياسي. وربما نذكر الأخوة المسؤولين في دول المجلس بأن الأوضاع الجديدة التي يعيشها العالم تفرض نفسها على منطقة الخليج والتي من أهمها المحاولات التي تبذلها المنظمات الدولية لتوطين الوافدين الذين امضوا سنوات طويلة في هذه الدول.