ما هي مناسبة الحديث، هذه الأحداث الثلاثة: تفجيرات طابا في مصر، واللقاء الذي تم مع السفير الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة، دان جيلرمان، على محطة الـ"بي بي سي" البريطانية يوم الأربعاء الماضي، ثم حديث المستشار الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي، دوف فيزيكلاس، إلى صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي.
كانت مقالة الأسبوع الماضي عن صمت الحكومات العربية في كل مرة ترتفع فيها وتيرة العربدة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وكان التركيز بشكل خاص على صمت مصر، أكبر دولة عربية، وحليف الفلسطينيين، والوسيط بينهم وبين الإسرائيليين. ثم تناولت المقالة أيضا دور الإعلام العربي في الصراع العربي الإسرائيلي، وخاصة داخل إطار هذا الصمت العربي. ولعله من الواضح أن هذه الأحداث الثلاثة تقدم مادة حية تسلط الضوء على النقاط الواردة في مقالة الأسبوع الماضي. وعليه يجوز لي القول بأن الصمت العربي، والإعلام العربي يمثلان معا حلقة الارتباط بين هذه الأحداث. هذا عدا عن أن هذه الأحداث، وقبلها وبعدها ظاهرتا الصمت والإعلام ليست إلا جزءا من سياق المشهد السياسي في المنطقة، وهو سياق يتسم بالحروب، والتحولات، ونذر خطر لا أحد يعرف إلى أين تتجه على وجه التحديد. من هنا لابد في البداية من إعطاء بعض التفاصيل عن هذه الأحداث. وحيث أن تفجيرات طابا أصبحت معروفة بتفاصيلها، يبقى الالتفات إلى ما جاء في كل من لقاء السفير، وحديث المستشار.
لنبدأ بحديث السفير جيلرمان. الهدف هنا هو استخدامه كمعيار للتعرف على طبيعة أداء الإعلام العربي عندما يتناول في برامجه السياسية والإخبارية الموضوع ذاته، أو موضوع الصراع العربي الإسرائيلي. ولعل ما يهمنا من هذه الزاوية تحديدا هو الطريقة المهنية والجريئة التي أدار بها مقدم البرنامج، تيم سيباستيان، حديثه مع السفير الإسرائيلي. فهي طريقة تكاد أن تكون غائبة تماما في البرامج العربية، وبالتالي تمثل دليلا ناصعا على المستوى المهني المتدني لبرامج الأحاديث السياسية في الفضائيات العربية، وخاصة عندما يكون الضيف في هذه البرامج شخصية رسمية، بما في ذلك شخصيات إسرائيلية. وهذا بحد ذاته لافت حقا.
أهم ما ينبغي ملاحظته في هذا السياق هو تمكن سيباستيان من وضع السفير الإسرائيلي في موقف صعب وكاشف عن طريق ملاحقته بالسؤال تلو الآخر، وإصراره على عدم الخضوع للسلطة السياسية والاجتماعية التي يمثلها السفير بحكم موقعه، أو لسلطته الشخصية كما انعكست في طريقة أدائه القوية، والمتسمة بقدرة واضحة على المواجهة. كما يجب الانتباه هنا إلى حساسية موضوع إسرائيل في الإطار السياسي والثقافي للمجتمعات الغربية بشكل عام. لقد تمكن سيباستيان من تجاوز الحساسية بأسلوب يعتمد على المهنية من دون أن يبدو وكأنه منحاز للطرف الآخر من دون حدود. كانت المقابلة مثيرة ومفيدة في الوقت نفسه. فالسفير جاء لخدمة سياسة الدولة التي يمثلها. وقام بذلك بإصرار وجرأة واضحتين. لكن سيباستيان من جانبه جاء أيضا لخدمة هدف المهنة التي يعمل لها، وهو هدف توصيل المعلومة، ووضع السياسة التي جاء الضيف ممثلا لها محل النقد القوي والمواجهة المباشرة والجسورة. كان اللقاء بالفعل لقاء مواجهة، ولقاء تصادميا أحيانا. لا حظ أن مقدم البرنامج بريطاني، والمفترض أنه ليس مرتبط عاطفيا بأحد طرفي الصراع، في حين أن السفير هو على العكس من ذلك تماما.
كان الاجتياح الإسرائيلي لشمال غزة، أو ما تسميه الحكومة الإسرائيلية بـ"عملية أيام الندم"، هو محور اللقاء. وكما هو متوقع حاول السفير الإسرائيلي تعليق كل ما يحدث بما سماه بالإرهاب الفلسطيني الذي حصد حياة الكثير من المدنيين الإسرائيليين. هنا وبأسلوب سريع ومباشر واجه سيباستيان ضيفه بحقيقة أن القوات الإسرائيلية، كقوات محتلة، تقتل المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال، وتهدم منازلهم، وتجرف مزارعهم. ماذا يمكن أن نسمي مثل هذه الممارسات؟ لماذا تجريف المزارع؟ أجاب السفير بأن "الإرهابيين يستخدمون المزارع. ثم أضاف بأن هناك فرقا مهما هنا، وهو أن الضحايا المدنيين من الفلسطينيين ليسو ضحايا مستهدفين، على العكس من المدنيين الإسرائيليين الذين يستهدفهم الانتحاريون الفلسطينيون. فذكر سيباستيان أن الجنود الإسرائيليين قتلوا في الاجتياح الأخير طفلا فلسطينيا بتسع عشرة رصاصة، خمس منها في الرأس. هل هذا استهداف أم ماذا؟ وهنا بدا شيء من الارتباك على أداء السفير.
لكن الجزء الأهم من المقابلة كان ذلك الذي دار حول خطة الانسحاب الإسرائيلي من غزة. حاول السفير الترويج لهذه الخطة، وأنها تمثل خطوة إسرائيلية جريئة للخروج من المأزق الذي تسبب به، كما يقول، غياب طرف فلسطيني يتسم بالصدقية في الالتزام بمتطلبات السلام، وأهمها نبذ الإرهاب. هنا بدأ سيباستيان يقرأ على السفير مقاطع من الحديث المشار إليه أعلاه، والذي أدلى به مستشار شارون، فيزيقلاس، إلى صحيفة "هآرتس". حيث ذكر فيزيقلاس بأن الهدف الحقيقي لخطة الانسحاب من غزة هو في الواقع تجميد عملية الس