من المعروف أن الرؤساء الأميركيين الذي يخوضون السباق الانتخابي من أجل الفوز بفترة ولاية ثانية، يقومون عادة بتسليط الضوء على الأخبار الطيبة، والتقليل من أهمية الأخبار السيئة. ولكن المشكلة بالنسبة لبوش- وقبل الانتخابات بثلاثة أسابيع فقط- هي أن الأخبار السيئة تواصل الانهمار عليه كالمطر، في حين يقل عدد الأخبار الطيبة التي يمكن لإدارته أن تطبل لها وتزمر.
ولم يجد الرئيس وكبار معاونيه من وسيلة أمامهم سوى اللجوء إلى تلك الحيلة القديمة التي تتلخص في الإدعاء بأن الأخبار السيئة، هي أخبار طيبة في الحقيقة.
ووصل هذا الأمر إلى ذروته الأسبوع الماضي بعد نشر تقريرين مخيبين لآمال الإدارة. التقرير الأول هو تقرير "شارلز دويلفر" كبير مفتشي الأسلحة التابعين للولايات المتحدة، والذي نسف ما تبقى من شكوك بشأن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. أما التقرير الثاني فهو التقرير المحبط الذي نشرته وزارة العمل الأميركية، عن معدلات العمالة خلال شهر سبتمبر الماضي، والذي فاقم من المخاوف المتعلقة بقوة التعافي الاقتصادي الذي يدعيه بوش، والذي يمكن أيضا أن يجعل من الرئيس بوش أول رئيس أميركي منذ "هربرت هوفر"، يكون معدل العمالة عند خوضه انتخابات تجديد الولاية أقل منها عند توليه الحكم.
ماذا فعل الرئيس بوش بتقرير "دويلفر"؟ لقد قام بقلب التقرير ظهرا لبطن ورأسا على عقب، وخاطب الجمهور في أحد تجمعات حملته الانتخابية قائلا إن التقرير أثبت أن صدام كان يمثل "تهديدا متناميا". لم يهتم بوش وهو يقول ذلك بأن التقرير الذي نشره فريق أمر هو نفسه بتشكيله، يؤكد عكس ما يدعيه.
ونظرا لأن الحقيقة التي أبرزها هذا التقرير، ما كانت لتساعد الرئيس في حملته الانتخابية، فإن بوش قام بصفاقة وخفة يد يتسم بها غالبا لاعبو الثلاث ورقات بسحب ورقة بسرعة من كمه، كي يعرضها لجمهوره المبتهج.
وكان رد فعل ديك تشيني نائب الرئيس على التقرير لا يقل غرابة عن رد فعل رئيسه، على الرغم من أن التقرير قد قرر صراحة أن العراق قد قام بتدمير مخزونه من أسلحة الدمار الشامل في بديات عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث أصر على أن قرار الرئيس بشأن شن الحرب على العراق: "لم يكن يحتمل التأجيل، أو التسويف أو التأخير".
أما تقرير معدلات العمالة عن شهر سبتمبر، والذي نشر في نفس اليوم الذي جرت فيه وقائع المناظرة الثانية بين بوش وبين السناتور جون كيري، فقد كان البيت الأبيض محبطا للغاية. فعدد الوظائف التي تم توفيرها كما جاء في التقرير لم يتجاوز في طول أميركا وعرضها 96 ألف وظيفة، وهو عدد لا يكفي للوفاء بمعدل التوسع الشهري في تشغيل السكان في سن العمل.
وهذه النتائج الباعثة على الكآبة، أجبرت آلة التلفيق التابعة للرئيس للعمل بكامل طاقتها، حيث قامت مرة أخرى بإزاحة الحقيقة جانبا، وإهالة التراب عليها.
وكان رد فعل الإدارة العلني والحماسي على تقرير وزارة العمل كما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" على النحو التالي: لقد أثنت الإدارة على التقرير باعتباره يمثل دليلا على التوسع المطرد في معدلات العمالة، وباعتبار أنه قد دلل على صحة استراتيجية بوش الخاصة، بمواصلة الخفض الضريبي للمساعدة في التعافي من الركود الاقتصادي الذي ساد البلاد منذ 2001".
ففي العالم الموازي الذي خلقه الرئيس لنفسه وعاش فيه، فإن كل شيء على ما يرام وليس هناك في الإمكان أبدع مما كان.
وكان الرئيس بوش قد قدم مشروعه المقترح للخفض الضريبي، على اعتبار أنه يمثل وسيلة ناجعة وفعالة لتوفير الوظائف، ولكن تبين فيما بعد عكس ذلك. ويذكر في هذا السياق أن المقالة التي ورد فيها رد الفعل المتفائل للإدارة الأميركية على تقرير التشغيل المخيب للآمال تضمنت القول: "في سبتمبر تم تشغيل 62.3 في المئة من السكان في سن العمل أي أقل بنسبة أثنين من عشرة في المئة من معدل العمالة الذي كان سائدا عندما بدأ كساد الاقتصاد في مارس 2001... وهذا الفارق يعني وجود 4,5 مليون مواطن أميركي بدون عمل".
تمثل المبالغة ركنا أساسيا من أجندة كل سياسي. ولكن المشكلة هي أن إدارة بوش، وفي كل مشكلة خطيرة من المشكلات التي تواجه الوطن، قد ذهبت إلى ما هو أبعد من المبالغة وقامت بتقديم معلومات خاطئة قوضت الفكرة الخاصة بضرورة أن يكون الناخبين على علم بكل شيء.
في الختام نقول إنه إذا لم يتم الاعتراف بالحقائق غير السارة من قبل المسؤولين الكبار في البلاد، فإنه ليس هناك احتمال في أن نتمكن من حشد كافة طاقات وموارد البلاد لمواجهة التحديات التي تواجهنا.
إن الرئيس ما زال يتصرف من منطلق الإنكار لما يحدث في العراق. ولكن ما يجب أن يعرفه الناخبون الأميركيون - على رغم ذلك- أن العراق قد تحول إلى حالة مأساوية من الفوضى.
ففي عدد مجلة "نيوزويك" الصادرة في العاشر من الشهر الجاري، وفي قسم المراجعات كتب "ديكستر فيليكنز" مقالا مؤثرا من بغداد. في هذا المقال قال "فيليكنز" إن هناك زيادة مطردة في عدد المناطق التي لا يجرؤ المراسلون الصحفيون