يبدو أننا عرب الخليج لا نعرف ولا نقدر معنى الديمقراطية ولا نتبع أبسط مفاهيمها وقيمها، وهو احترام الدستور والقانون ومبدأ الحريات العامة. والدليل على ذلك تقدم مجموعة من أعضاء مجلس الأمة الكويتي الذين ينتمون إلى الإسلام السياسي (الأخوان المسلمين والحركة السلفية) باقتراح لتغيير المادة الثانية من الدستور والتي تقر بأن الدين الإسلامي أحد المصادر الرئيسية للتشريع. بينما يريد النواب تغييرها لتصبح المصدر الوحيد للتشريع، بمعنى آخر تحويل طبيعة الدولة من دولة مدنية يحكمها الدستور والقانون إلى دولة دينية تسير الأمور وفق الشريعة الإسلامية. السلطات الأمنية الكويتية منعت عقد ندوة واجتماع لحزب التحرير الإسلامي الذي يكافح لإقامة دولة الخلافة الإسلامية في الكويت.
السؤال المطروح علينا هنا: لماذا يحاول نواب انتخبوا من الشعب بالطريق المباشر إلغاء الدستور وتغييره لتصبح الدولة دينية بدلاً من المدنية ويغيرون معالم الدولة من فصل السلطات إلى سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية إلى دولة دينية لا يعرف أحد طبيعتها. وكيف يمكن لها أن تستمر في عالمنا المعاصر؟ ولماذا تحاول مجموعة من الشعب الكويتي إلغاء دستورهم المدني واللجوء إلى حكم المشايخ ورجال الدين باسم الإسلام؟ الإجابة على هذه التساؤلات هي أن جماعات الإسلام السياسي سواء في الوطن العربي عموما أو الخليج لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالتعددية الفكرية ولا تخدم الآخر ولا تؤمن بدولة الدستور والقانون، هم بكل بساطة يريدون استغلال الأدوات الديمقراطية (الانتخابات) للوصول إلى السلطة، وبعد ذلك يغيرون طبيعة الدستور والدولة لكي يتسنى لهم احتكار السلطة والتفرد بها، وتسيير البلاد حسب فهمهم الخاص للإسلام. لذلك لا غرابة من رفض مصر والجزائر مشاركة الأحزاب الدينية في الانتخابات العامة لشعورهم بأن هذه الجماعات لا تؤمن بالديمقراطية لكنها تريد استغلالها للوصول للسلطة. نواب مجلس الأمة الكويتي والحركات الإسلامية المطالبة بأسلمة القوانين وحكم الشريعة لا تشرح لنا ما هي طبيعة الدولة التي يريدونها، فالأخوان المسلمون والحركة السلفية يطالبون بحكم الشرع. بدون إعطاء المواطن في الكويت أي تفاصيل عن طبيعة الدولة الإسلامية التي يريدون تحقيقها في الكويت.
التساؤل الآخر الذي نود طرحه على بعض الجماعات المتطرفة الإسلامية في الخليج: ما هو النموذج الإسلامي الناجح الذي ترون ضرورة تطبيقه في الكويت؟
هنالك أسئلة كثيرة تتعلق بطبيعة الحكم الإسلامي. هل الحكم وراثي أم الأمة تختار الخليفة؟ مجلس الشورى هل يتم اختياره من قبل الحاكم أم من قبل الأمة؟ وهل دوره استشاري أم تشريعي؟
ماذا عن الاقتصاد؟ هل سيتم إلغاء البنوك الربوية وشركات التأمين؟ وهل سيتم السماح للشركات والبنوك غير الإسلامية بالعمل؟ كيف يمكن التعامل مع الآخرين اجتماعياً، هل سيتم عزل الرجل عن المرأة؟ ماذا عن عمل المرأة، أي نموذج إسلامي يمكن الاستفادة منه... تجربة "طالبان" في أفغانستان أم تجربة إيران أو السودان كلها تجارب فاشلة، ما هو نموذج الإسلام البترولي في الخليج؟
هذه الجماعات الإسلامية ليس لديها أي مشروع حضاري نهضوي يؤدي إلى تقدم الدولة وتطورها. فهم بكل بساطة يطرحون هذه الأفكار الغريبة لأنهم فشلوا في طرح مشاريع تنموية حقيقية. ما يطرح في الكويت ما هو إلا مزايدات سياسية رخيصة والحكم والدولة أقوى بكثير من هذه الجماعات.