في عام 1991، كانت سوريا قد انضمت إلى قوات التحالف الدولي، الذي حشده جورج بوش الأب، بغية إخراج قوات صدام حسين من الكويت التي غزتها في أغسطس من عام 1990. وعلى امتداد ثلاثة عقود، ظلت سوريا والعراق، على علاقة عداء مستحكم بينهما، على رغم أنهما يحكمان اسميا من قبل حزب البعث العربي. وكان التناحر والصدام على أشده بصفة خاصة بين الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وصدام حسين. وخلال الحرب العراقية-الإيرانية التي جرت خلال الأعوام 1980-1988، كانت سوريا الدولة العربية الوحيدة تقريبا، التي أعلنت تأييدها ودعمها للطرف الإيراني. بيد أن حدة المواجهة بين الطرفين السوري والعراقي، خفت بعض الشيء، إبان العقوبات الدولية المفروضة على العراق طوال حقبة التسعينيات، وحظر الطيران فوق المناطق المحددة من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على طائرات صدام حسين. وعلى إثر وفاة الزعيم السوري حافظ الأسد في عام 2000، بدأت العلاقات بين الجانبين تتحسن أكثر فأكثر من ذي قبل.
فالابن بشار الأسد، لا يحمل كل تلك الكراهية التي كان يكنها أبوه لصدام حسين. وبفضل تلك العلاقة، أصبحت سوريا معبرا مهما بالنسبة لصدام، للالتواء والتحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليه، سواء بالنسبة لتمرير السلاح عبر سوريا إلى أراضيه، أم الحصول على المنتجات الأخرى من السوق السوداء عبر سوريا. وقد أتاحت تلك الفرصة لسوريا، الحصول على امتيازات خاصة فيما يتعلق بإمدادات النفط العراقي، الأمر الذي قدم للاقتصاد السوري، عونا حاسما، كان الاقتصاد السوري الراكد في أمس الحاجة إليه. وفي عشية الغزو الأميركي الأخير للعراق، كان الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، قد شجب علنا، السلوك الأميركي تجاه العراق. ففي لقاء له أجري في صحيفة "السفير" اللبنانية، لحظة شن الحرب، دعا بشار إلى تنظيم مقاومة عسكرية عربية للولايات المتحدة الأميركية.
على إثر هذه التصريحات، ساءت العلاقات الأميركية-السورية، على رغم التعاون الذي أبدته سوريا حيال أميركا، في مجال العمل المشترك ضد تنظيم "القاعدة"، عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وبادرت واشنطن لاتهما سوريا بإيواء بعض بعثيي نظام صدام حسين الهاربين من العراق. بل وألمح بعض مؤيدي إدارة بوش، لاحتمال أن تكون سوريا قد هربت أسلحة صدام حسين المحظورة إلى أراضيها، بغية حفظها في أماكن آمنة. واليوم، فقد تحسنت العلاقات الأميركية-السورية نوعا ما، بناء على التزام سوريا ببذل المزيد من الجهد للسيطرة على حدودها. لكن وعلى رغم ذلك، تبدي الحكومة العراقية المؤقتة، قلقا كبيرا مما تسميه بالتسللات إلى أراضيها عبر كل من الحدود السورية والإيرانية. وفي ظل هذه الظروف، فإن على السوريين أن يفكروا مليا، في أي عراق يريدون له أن يبرز في المستقبل القريب.
فسوف يكون كابوسا جاثما على صدور السوريين، فيما لو جاء نظام عراقي ديمقراطي، موال للولايات المتحدة، وداعم لوجود عسكري أميركي في أراضيه، ومؤيد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومما لا شك فيه، أن نظاما كهذا، سوف يمثل تحديا لسوريا، في عدة جوانب أساسية. أولها أن سوريا ستجد نفسها محصورة من ثلاثة اتجاهات، من تركيا شمالا، وإسرائيل جنوبا، بكل ما لكلتا الدولتين من قوة عسكرية كبيرة وضاربة، ثم من جانب العراق شرقا، حيث يوجد تحالف قادر على سحق سوريا، فيما لو سنحت الظروف المواتية لذلك. ثانيهما، أن من شأن عراق كهذا، أن يسحب الورقة الرئيسية التي تلعب بها سوريا، أي كونها لاعبا أساسيا في المنطقة، في أي مفاوضات تسوية نهائية للنزاع الإسرائيلي العربي. ثالث التحديات، إن عراقا كهذا، سوف يمارس المزيد من الضغوط على حكومة بشار الأسد الضعيفة، ويزعزع وضعه الداخلي أكثر مما هو عليه الآن.
هذا وقد باتت سوريا سلفا، في مواجهة أوضاع سياسية داخلية مضطربة، جراء اندلاع أعمال العنف الخطيرة في أوساط مواطنيها الأكراد، ومن جانب شبابها الساخطين الذين رأوا أحلامهم وتطلعاتهم وهي تركل عبر السنين.
لكل هذه الأسباب، فإن سوريا تواصل لعب دور مزدوج ومتناقض في العراق. لكن وفيما إذا تدهورت الأوضاع في العراق، وانتهى هذا الأخير إلى بلد منقسم على نفسه، أو تقلدت زمام الأمور فيه، حكومة مناوئة للولايات المتحدة الأميركية، فإن تداعيات وضع كهذا ستكون بعيدة الأثر على المنطقة ككل. والسيناريو الأسوأ- من وجهة النظر الأميركية- أن يكون ممكنا لسوريا الانضمام إلى تحالف معاد للولايات المتحدة، من شأنه الإضرار بالمصالح الإقليمية الأميركية في المنطقة، في حال وصول حكومة عراقية معادية لواشنطن. وهذا ما يجب أن تحسب له واشنطن ألف حساب وتسعى لتجنبه، ربما بحفز حوار إسرائيلي سوري حول هضبة الجولان، لكل ما تمثله هذه القضية من أهمية بالنسبة لسوريا.