من أسباب احتلال العراق من قبل القوات الأميركية النفط فيه، وأمن إسرائيل وحماية احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة، والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية، واعتبار إسرائيل عضواً أصيلاً في منطقة الشرق الأوسط. ويعني هذا سقوط جميع الادعاءات الأميركية والإنكليزية التي ادعتها الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية وبخاصة تهمة امتلاك النظام العراقي السابق بعض أسلحة التدمير الشامل وأن له علاقات عملياتية مع تنظيم "القاعدة الإرهابي".
لقد كانت الخسائر الأميركية تتزايد في العراق، بسبب اشتداد عود "المقاومة" الوطنية العراقية، في حين أن تكاليف المعيشة بالنسبة إلى المواطن الأميركي تستمر في الارتفاع، إضافة إلى بيان الـ 97 من الدبلوماسيين والعسكريين السابقين وفيه أعلن هؤلاء أن الإدارة الأميركية "قادت الولايات المتحدة إلى حرب مكلفة سيئة الإعداد، ومن دون نهاية واضحة. وبرّرت الحرب عن طريق التلاعب بمعلومات استخبارات ملتبسة وحملة انتهازية لإقناع الرأي العام بأن رأس النظام السابق كان مرتبطاً بالقاعدة وبهجمات 11/9/2001 وهو ما لا تدعمه الأدلّة".
وفي الفترة منذ الآن حتى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2004 قد يستطيع رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون شنّ هجمات مدمِّرة جديدة على حياة الشعب العربي الفلسطيني وممتلكاته، وبخاصة بعد أن صرح وزير خارجية شارون بأن إسرائيل لن تولي رأي المحكمة الدولية في "لاهاي" أي اهتمام بشأن الجدار "الأمني" الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة.
من المعروف أن لإسرائيل وجوداً ما في العراق، وليس هذا الوجود قراراً لشارون انفرد به، وإنما هو يمثل اتجاهاً أساسياً في السياسة الخارجية الأميركية. فالتمكين لإسرائيل من أن تفرض مشروعها الصهيوني في الشرق الأوسط كان أحد أهم الأسباب الأميركية من العدوان على العراق. لقد تحوّل العراق بعد الاحتلال الأميركي، إلى باب مفتوح لإسرائيل التي جاءت لتؤكد: 1- أن المخابرات العسكرية الإسرائيلية نشيطة ضد سورية وإيران، 2- وأن هدف إسرائيل هو إقامة وحدات مغاوير في شمالي العراق لموازنة ميليشيات الشيعة في الجنوب، 3- وأن بالإمكان استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في الدولة السنية التي تنتظر إقامتها في وسط العراق.
وليس ذلك كله إلا وليد ورقة عمل سياسية وضعت في أواسط العام 1996 ثم أصبحت وثيقة مطبقة من وثائق إدارة الرئيس جورج بوش الابن. وقد جعلت تلك الوثيقة معركة السيطرة على العراق هي معركة السيطرة على ميزان القوى في منطقة المشرق العربي على المدى الطويل. ولهذا كتبت جريدة معاريف الإسرائيلية أن "في منطقة الشرق الأوسط ستكون فرصة لأبناء الأقليات المقموعة. فالعراق الجديد سيصبح جمهورية فيدرالية (الأكراد- الشيعة- السنة- التركمان- الآشوريون...) وقد يتفتت العراق في حروب قبائلية ومذهبية... والخطوط المفتعلة التي رسمتها دول أمبريالية عظمى قد تتحطم...".
من هنا، من النفط وخدمة أمن إسرائيل، كان الإصرار الأميركي على ضرب العراق- وهو بالنسبة إلى القوات الأميركية الهدف الأسهل- ومن ثم احتواء سورية ولبنان وإيران بمحاصرتها. ويعني هذا أن الحرب على العراق تأتي تلبية لهذه السياسة الاستباقية الأميركية، وهي ذريعة أخرى تشكّل الغطاء السياسي للاحتلال الذي هدف إلى وضع اليد على منابع النفط العربي وخدمة أمن إسرائيل.
كان من المنتظر أن توظف إسرائيل أحداث 11/9/2001 في نيويورك وواشنطن بما يتلاءم مع مصالحها وأهدافها التوسعية. ولكنها استطاعت في الأحداث وبعدها أن تستخدم عنوان "مكافحة الإرهاب" بما يضمن لها تأييداً وحماية أميركيين وتعاطفاً أوروبياً متدرجاً وصمتاً عربياً بلغ حد العجز. لذا كانت إسرائيل المحرض الأول والأساسي للإدارة الأميركية الحالية كي تشن حرباً على العراق دون تردد أو تأخير... فضرب العراق قد يساعد إسرائيل على فرض شروطها في المنطقة، بعد أن غدت الشريك العملياتي للولايات المتحدة في حربها العدوانية على العراق.
ولعل الهدف الأكثر خطورة في هذا "التنسيق" الأميركي/ الإسرائيلي هو "الترانسفير" أي دفع الشعب العربي الفلسطيني إلى أماكن أخرى مجاورة. وقد يكون العراق أحدها.