شغلت اللبنانيين، وربما بعض العرب من محبيه، ثلاثةُ أحداثٍ خلال الأسبوع الماضي: وفاة المعتقل أو الموقوف إسماعيل الخطيب في مركز الاعتقال لدى قوى الأمن الداخلي، في ظروفٍ غامضة. محاولة اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة. وأخيراً صدور تقرير الأمين العام للأُمم المتحدة كوفي عنان عن متابعة تنفيذ القرار 1559 المتعلق بخروج القوات السورية من لبنان، واحترام الدستور، والتقاليد الديمقراطية. وقد نشرت تلك الأحداث الثلاثة أجواء من الكآبة والمخاوف بشأن الحاضر والمستقبل. أما الحدث الأول، وهو وفاة إسماعيل الخطيب، فله خلفياتُهُ التي بدأت قبل أسبوعين، عندما ظهر وزير الداخلية اللبناني الياس المرّ على التلفزيون وإلى جانبه المدعي العام الاستئنافي عدنان عضّوم، وأعلن عن اكتشاف خليتين إرهابيتين، إحداهما تريد نَسْفَ السفارة الإيطالية ومؤسساتٍ أُخرى، والأُخرى بالبقاع (ويتزعمها إسماعيل الخطيب)، وهي تجندُ شباباً للقتال بالعراق. وزاد وزير الداخلية من كشوفه الأمنية عندما قال إنّ خلية إسماعيل الخطيب، هي أولُ خليةٍ مباشرةٍ لتنظيم القاعدة بلبنان! وقد قبضت قواتُ الأمن على عشراتٍ من الشبان بتُهَم التطرف والإرهاب -كما فعلت في عشرات المرات السابقة منذ العام 2000-دون أن يحرّك أحدٌ ساكناً، فاعتقدنا -كما في كل مرة-أنّ أجهزة الأمن مُحقةٌ في ما تقولُهُ عن هؤلاء المتطرفين(!).
لكنْ بعد أيام أعلنت الوزارة عن وفاة إسماعيل الخطيب بأزمةٍ قلبية. وقد تبين من الآثار على جسده بعد أن تسلّم ذووه جثته أنّ الشاب مات تحت التعذيب على الأرجح، وأنّ التعذيب كان من أجل أن يعترف هو ورفاقُه بالانتماء للقاعدة! وقد ثار أهلُهُ وذووهُ، ثم ثارت منطقة البقاع الغربي للأمر، دون أن تحرك وزارةُ الداخلية ساكناً للدفاع عن نفسِها أو الإصغاء لشكاوى المواطنين. والمعروف منذ سنوات أنّ مئاتٍ من الشبان السُنّة ينتمون إلى التيارات السلفية، لكنهم في الأكثر غير عنيفين، وأكثر الذين ذهبوا للقتال بالعراق -عبر سورية- ليسوا من السلفيين؛ بل من ذوي الميول القومية. وكانت جهاتٌ لبنانيةٌ وسوريةٌ تسمحُ لهم بذلك أو تشجّعهم عليه، أي أنها ما كانت تعتبر ذلك تهمةً يستحقُّ صاحبُها من أجلها الاعتقال أو التعذيب. بيد أنّ مسألة العراق شيء، والتيارات السلفية شيء آخر. فهؤلاء استُبيحوا منذ اعتصموا بجبال الضنية في العام 1999، ثم اشتبكوا مع الجيش الذي هاجمتهم كتيبةٌ منه، وسقط لهم عشرات، وسجُن منهم أو بجريرتهم مئات، ولم يُحاكموا حتى اليوم. ومنذ ذلك الحين اخترقت القوى الأمنية اللبنانية والسورية صفوفهم، واستخدمتهم باتجاهاتٍ مختلفة ومتناقضة، وألجأت كثيرين منهم إلى مخيم عين الحلوة الفلسطيني، الذي صارت له سُمعةٌ الآن أنه وكرٌ للإرهاب فضلاً عن كونه ملجأً للبؤساء والذين تقطعت بهم السُبُل من الفلسطينيين واللبنانيين!
قال سياسيون لبنانيون تعليقاً على موت الخطيب إنّ الأجهزة الأمنية أرادت التقرب بذلك للولايات المتحدة، وتُظهر التعاوُن لبنانياً وسورياً في الحرب على الإرهاب، بعد الإعلان عن إجراءات لضبط الحدود مع العراق. لكنّ الحادث كما أساء للأجهزة الأمنية وممارساتها، أساء أيضاً للقضاء اللبناني،لأنّ المدعي العام ظهر إلى جانب وزير الداخلية عند إعلانه عن"اكتشاف" الخلايا. وقد صار واضحاً في السنوات الأخيرة أنّ المدعي العام وثيق الصلة بالأجهزة، ويراعي توجيهاتها. ويقال إنّ ضعْفَهُ هذا ناجمٌ عن تأميله بمنصبٍ وزاري أو حتى برئاسة الوزارة. وشأنه في ذلك شأن محافظ البنك المركزي الذي انتهج سلوكاً مخالفاً للقانون، وبالتعاون مع المدعي العام، في قضية بنك المدينة، الذي ضاعت منه مئات الملايين من الدولارات خلال سنتين. ويقالُ إنّ محافظ البنك أُمِّل برئاسة الجمهورية، وهو اليومَ مطروحٌ ليكون وزيراً للمالية في الحكومة المُقبلة. وهكذا فقد فتح حادث مقتل إسماعيل الخطيب على ملفين رئيسيين أثّرا في سمعة عهد الرئيس لحود، والوجود السوري في لبنان: ملف الفساد المالي والإداري والقضائي. وملف عشوائية الأجهزة الأمنية وتصاعد نفوذها في سائر مؤسسات الدولة.
وأتى الحادث الثاني المروِّع ليزيد من حِدَّة الإحساس بضعف الاستقرار وهشاشة الحالة الأمنية: جرت يوم1/10/2004 محاولةٌ لاغتيال النائب والوزير اللبناني مروان حمادة على مقربةٍ من منزله في بيروت. وقد نجا الرجل من المحاولة بأُعجوبةٍ في حين قُتل مرافقه. والجريمةُ سياسيةٌ بالدرجة الأولى، ويعطيها موقع مروان حمادة حساسيتها الفائقة. فهو أحدُ أهمّ الزعماء الدروز، بعد وليد جنبلاط وطلال أرسلان، وهو عضوُ كتلةٍ قويةٍ من النواب (اللقاء الديمقراطي) بزعامة جنبلاط صوَّتت ضد تعديل الدستور والتمديد. وقد استقال من الحكومة الحالية (التي كان وزيراً للاقتصاد فيها) على أثر ذلك. وظلَّ صوتُهُ عالياً حتى محاولة اغتياله ضدّ التمديد، وضدّ المشاركة في الحكومة الجديدة للشكوك في شرعية العهد اللحودي الممدَّد. ولذلك قال وليد جنبلاط بعد محاولة الاغتيال مباشرةً: