عشية انعقاد مجلس الأمن الدولي لبحث تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الذي يتهم فيه سوريا ولبنان بعدم التجاوب مع متطلبات القرار الدولي 1559، أعربت سوريا ولبنان عن عدم رضاهما بقرار عنان ووصفتاه بالقرار المتشدد وأنه لا يحق للأمم المتحدة التدخل في القضايا السيادية الداخلية التي تخص لبنان وسوريا. سوريا التي رحبت في البداية بقرار مجلس الأمن لأن القرار في صيغته النهائية تخلى عن تسمية سوريا في البند الداعي إلى انسحابها من لبنان والاكتفاء بطلب خروج كل الجيوش الأجنبية، أي ترك الباب مفتوحاً للحوار والتفاهم بين سوريا والمجتمع الدولي والولايات المتحدة. قامت سوريا بعد ذلك باتخاذ خطوات إيجابية نحو تطبيق القرار الدولي والذي تمثل بإعادة انتشار القوات السورية في لبنان وإعادة الحوار الأميركي-السوري لحل المشاكل المعلقة بين البلدين. الرأي العام العربي والدولي فوجئ يوم الأربعاء الماضي 6-10-2004 بصدور بيان سوري-لبناني متشدد ضد قرار مجلس الأمن، ورغم تخوف لبنان من قرارات مجلس الأمن إلا أن الحقيقة تبقى وهي أن قرار المنظمة الدولية 1559 لا يستهدف لبنان بقدر ما يستهدف سوريا وأن تخوف لبنان من القرار الدولي لا أساس له من الصحة.
قد يعود انتقاد سوريا لقرار مجلس الأمن مؤخراً بعد الترحيب به إبان ظهوره الشهر الماضي، هو شعور سوريا بأنها لن تستفيد كثيراً في حالة تطبيقها للقرار الدولي. سوريا مستعدة لتطبيق القرارات شريطة أن تمنحها الولايات المتحدة بعض المساعدات الاقتصادية وتساعدها في حل مشاكلها مع إسرائيل. ما هي العقوبات المتوقعة ضد سوريا في حالة رفضها للقرارات الدولية؟ هناك احتمال أن يصدر قرار جديد من مجلس الأمن يدعوها بالالتزام بتنفيذ القرار الدولي، بعد ذلك تزداد الضغوط الدولية عليها لكي تعمل على تنفيذ القرار خصوصاً إذا شاركت فرنسا والاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة بالضغط على سوريا.
في حالة فشل سوريا الانصياع للقرارات الدولية والضغوط قد تلجأ الولايات المتحدة إلى تنفيذ "قانون محاسبة سوريا واستعادة لبنان لسيادته" الذي أصدره الكونجرس الأميركي ووقع عليه الرئيس بوش في أواخر العام الماضي. هذا القانون يشمل بجانب المقاطعة الاقتصادية سحب السفراء وقد تشارك فرنسا وأوروبا الولايات المتحدة لزيادة الضغط على سوريا. ما هي الخيارات والاحتمالات المفتوحة أمام سوريا؟
أول الخيارات هو أن تنصاع لصوت العقل والمنطق وتقبل بالقرارات الدولية تلافياً لتطبيق العقوبات عليها. الاحتمال الثاني هو أن تستمر في المراوغة بالتحفظ على قرارات مجلس الأمن لكسب الوقت أو الحصول على امتيازات من الولايات المتحدة. ما نراه هو أن سوريا سوف تقبل الانسحاب من لبنان وتطبق جميع قرارات مجلس الأمن للأسباب التالية:أولا: إن معظم الدول العربية لا تؤيد الموقف السوري ما عدا لبنان. ثانيا: تزايد المعارضة الداخلية في لبنان خصوصاً بعد إعلان المسيحيين والدروز وبعض أقطاب السنة رفضهم للتواجد السوري في بلدهم. ثالثا: الموقف الفرنسي والأوروبي المتشدد. رابعا: عدم وجود أصدقاء لسوريا للدفاع عن موقفها سوى إيران الإسلامية وهي دولة معزولة عن العالم الحديث. خامسا: تدويل قضية لبنان لا يسمح لسوريا بالتعسف في سياستها في لبنان والاستمرار للأبد فيها. وأخيراً سوريا اليوم ضعيفة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً لذلك نتوقع من قيادتها اتخاذ قرارات حكيمة وعقلانية بالانسحاب لتحاشي المأساة .