تمثل الانتخابات المقبلة في نوفمبر فرصة إضافية للعرب الأميركيين لمناقشة الاختيارات المفتوحة أمامهم في المجتمع الأميركي. ولكن الانتخابات الرئاسية الراهنة توضح دون أدنى مجال للشك أن سياسات الأقليات التي انتهجتها المنظمات العربية والإسلامية في أميركا ليست واعدة بل تبدو مفلسة إلى حد كبير. فالزيادة الكمية للقوة التصويتية للعرب لم تعوض هبوط قيمتها الفعلية جهة النظام السياسي والتوجهات الفعلية للحزبين الكبيرين. ويمكن القول أذن أن التصويت العربي بل وتصويت الأقليات عموما بدأ يفقد جانبا كبيرا من قيمته لأسباب كثيرة. فالروايات الرسمية بصدد المكاسب التي حصل عليها أو كان يمكن أن يحصل عليها العرب الأميركيون من هذه الاستراتيجية لم يعد لها مصداقية كبيرة. ومن هذه الروايات أن الرئيس بوش كان في طريقة لتطبيق "الصفقة" التي عقدت معه أثناء ترشحه للرئاسة بأن يلغى قانون الأدلة السرية لولا أحداث 11 سبتمبر. فلو أن ذلك صحيح لكانت قد ظهرت أية علامة على هذا الاستعداد بعد توليه الرئاسة وخلال تسعة أشهر سابقة على تلك الأحداث. ومن ناحية أخرى يبدو أن استراتيجية "سياسات الأقليات" لم تنجح كثيرا حتى بالنسبة للأفارقة الأميركيين الأوفر عددا والأكثر خبرة بعد عقود من الإنجازات التشريعية في مجال الحقوق المدنية في النصف الأول من عقد الستينات. إذ لا زالوا الأقلية الأفقر والأقل تطورا داخل أميركا بدون استثناء رغم تمتعهم بقوة تصويتية وخبرة سياسية كبيرة. ويبدو أن النموذج التفاوضى الأساسي لسياسات الأقليات لم يعمل بالصورة المأمولة من خلال الحزب الديمقراطي. فبقدر ما يحتاج هذا الحزب لأصوات الأفارقة واللاتينيين والعرب الأميركيين بقدر ما يجدون أنفسهم مضطرين للتصويت له بالرغم من ضعف أو حتى غياب التزامه بقضاياهم ومصالحهم وذلك بسبب الخوف المستدام من انتصار اليمين الممثل في الجمهوريين المتشددين والأصوليين المسيحيين. وهذا هو ما يعتمد عليه الحزب الديمقراطي الآن للحصول على الصوت العربي الأميركي بالرغم من غياب التزام حقيقي بالقضايا والمصالح التي تهم العرب الأميركيين بما فيها تلك المحصورة في مجال الحقوق المدنية الصرفة. فلم يلتزم كيري بإلغاء قانون الأدلة السرية أو بإلغاء قانون باتريوت الذي يستهدف العرب الأميركيين أساسا. وبذلك قد يحصل الديموقراطيون على 80% من أصوات العرب الأميركيين وفقا لاستطلاعات زغبى بدون أي مقابل لأن هذا التصويت سيكون مجرد رفض أو عقاب للجمهوريين أو بوش. العرب وخاصة في سياق ما بعد 11 سبتمبر. بل لا يجتمع مرشحو الرئاسة من الحزبين على شيء سوى التأييد المطلق لإسرائيل. ويعنى ذلك أن النتيجة النهائية للتصويت العربي ستكون سلبية. إذ يخسر العرب الأميركيون أية قاعدة للنفوذ داخل الحزب الجمهوري دون أن يحصلوا على شيء من الديموقراطيين.
وكانت الأجيال الشابة من العرب الأميركيين قد أدركت إفلاس استراتيجية الأقليات بالنسبة لهم. واضطر قطاع متزايد من العرب الأميركيين لنفض اليد من "سياسات الأقليات" كأسلوب لبناء الحضور السياسي وأخذوا في تطبيق استراتيجية بديلة تقوم على النضال الأيديولوجي الثوري. وتتمثل هذه الاستراتيجية في بناء التحالفات مع القطاع الأكثر راديكالية من المجتمع السياسي الأميركي والمستعد لتبنى القضايا العربية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أجندته ومقترباته النضالية العامة أو الكونية مثل النضال ضد العولمة أو ضد الحرب أو ضد الرأسمالية أو ضد هذا الثلاثي جميعا. إن الدور العربي في "تحالف أنسر" كبير بالفعل. وقد توج هذا التحالف سنوات من العمل الشاق داخل الجامعات الأميركية من جانب الجمعيات الطلابية العربية والفلسطينية. وكانت إرهاصات هذا التحالف قائمة حتى قبل الانتفاضة وعبر سنوات من العمل السياسي والدعائي المضني الذي حاول تعريف الطلاب الأميركيين بالمأساة الفلسطينية دون نجاح كبير حتى 11 سبتمبر.
لقد كانت استراتيجية التحالف هذه هي الأكثر جاذبية من وجهة نظر الأجيال الشابة في أميركا أو في العالم العربي ذاته. فهي اتسمت بطابع كفاحي ومعاد للإمبريالية الأميركية وهو ما بدا استمرارا منطقيا للمشاعر المعادية للأميركيين التي تكتسح الوطن العربي منذ عقود وبصفة أخص مع بداية الانتفاضة عام 2000. وازداد الإعجاب بهذه الاستراتيجية نظرا للنضال العظيم والجهود الخارقة التي بذلتها المنظمات الراديكالية الأميركية وخاصة تلك المنضوية تحت لواء "أنسر" لوقف الحرب على العراق واجهاضها. كما أن تلك الاستراتيجية مدت اليد لجميع الشعوب وبدت كإطار مناسب للغاية لبناء تحالفات عالمية وغير محصورة في الساحة الأميركية وحدها. كما أن الاستمرارية الفذة لهذه الاستراتيجية وكونها تحولت إلى أجندة يومية يمارسها مجتمع مدني عالمي كبير ويعمل على نطاق كوني عزز جاذبيتها مقابل "سياسات الأقليات" التقليدية التي انتهجتها المنظمات الكبيرة للأميركيين العرب مثل المعهد العربي أو اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز.
والواقع أن استراتيجية النضال ال