سوف تكون الانتخابات الأفغانية التي تبدأ اعتبارا من صباح اليوم السبت، التاسع من أكتوبر، نقطة تحول مهمة في تاريخ هذا البلد. فعلى امتداد ثلاث سنوات، ظل المجتمع الدولي يبذل جهودا جبارة من أجل تحقيق الاستقرار هناك، وبناء مستقبل أهله. وخلال زيارتي الأخيرة لأفغانستان، أتيحت لي فرصة الوقوف على الدور الرئيسي الذي تلعبه قوة العون الأمني التابعة لحلف الناتو. لكن وعلى رغم هذه الجهود، هناك قضية وحيدة، تستحق المزيد من الاهتمام والانتباه لها. نعني بهذه القضية، ازدياد تجارة المخدرات منذ عام 2002، واتساع نطاقها الجغرافي هناك. فمن الواضح الآن، أن 28 محافظة، من جملة محافظات أفغانستان الـ 32 تنشط في زراعة الأفيون، وأن ما يزيد على 1.7 مليون أفغاني على الأقل يستخدمون في هذا النشاط التجاري. ووفقا لإحصاءات ومعلومات مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، فقد بلغت عائدات إنتاج الأفيون الأفغاني خلال العام الماضي 2003، ما يصل إلى 3.600 طن، أي ثلاثة أرباع ما ينتجه العالم مجتمعا من الأفيون، تزرع في مساحة تزيد على 200 ألف من الأكرات. هذا ومن المتوقع أن يتجاوز إنتاج هذا العام، ذلك المعدل، نظرا لخوف مروجي المخدرات الأفغان من ردود فعل المجتمع الدولي على تجارتهم، التي يبدون مخاوف على مستقبلها الآن.
ولا يقتصر تأثير هذه المخدرات، على كونها تغرق الأسواق العالمية بمنتجاتها، وبكل ما يترتب عن هذا الإغراق من تأثيرات سالبة على صحة المجتمعات العامة فحسب، بل تمتد آثارها إلى عرقلة استقرار أفغانستان نفسها. فالمستفيد من عدم الاستقرار الذي تشهده أفغانستان، هم لوردات الحرب، الذين يوظفون هذه الأوضاع لحماية تجارتهم في مجال المخدرات. وتتم تغذية شبكات تمويل المخدرات، من قبل جماعات تعمل سرا من تحت الأرض، هي التي تقوض سلطة الحكومة المركزية وأي مظهر لحكم القانون في البلاد. ولذلك، فإن مصالحها، تتناقض أصلا ومبدأ حكم القانون واستقرار أفغانستان.
تبعا لذلك، تتسع المساحات المحرم دخولها على القوات الأميركية وقوات التحالف عموما، كما تسهم الأموال التي تدرها تجارة المخدرات، في شن وتنظيم الهجمات المسلحة على قوات التحالف من قبل فلول طالبان في تلك المناطق. وفي الواقع فإن هناك شكوكا تحوم حول أنه يجري تمويل النشاط الإرهابي بواسطة الأموال المكتسبة من تجارة المخدرات. في الوقت ذاته، فإن نسبة 10 في المئة من الهيروين المنتج في منطقة آسيا الوسطى، يجري استهلاكه محليا من قبل المواطنين الأفغان، مما يعنى خلق مشكلة صحية لهم، يجب التصدي لها بأسرع ما يمكن. كما تسهم تجارة المخدرات وزراعة الأفيون المنتشرة هناك، في تدمير الاقتصاد الوطني الأفغاني، علما بأن بناء الاقتصاد يمثل شرطا لا غنى عنه، لاستقرارها المستقبلي. يذكر أن الرئيس الحالي حامد قرضاي، قد حرم تجارة المخدرات وزراعتها، فضلا عن إنشائه قوة خاصة في شهر يناير الماضي، لمكافحتها. لكن وعلى رغم هذه الجهود المقدرة، إلا أن المعضلة التي تواجهها أفغانستان في هذه القضية، تمضي إلى ما هو أبعد من طاقة الموارد والجهود المحلية الأفغانية.
ولما كانت فرنسا-شأنها في ذلك شأن بقية المجتمع الدولي- تبدي حماسا ورغبة في تقديم يد العون والمساعدة في التصدي لهذه المشكلة، فإن علينا أن ننتهز فرصة ما بعد الانتخابات، ونتحرك باتجاه إيجاد حل للمشكلة. وربما كانت الخطوة الأولى التي يمكن أن نخطوها في هذا الطريق، هي تعزيز وتحسين مستوى تدريب قوات الشرطة الأفغانية، تحسين مستوى الجهاز القضائي في البلاد، علاوة على حفز عملية نزع الأسلحة، وتفكيك انتشار المليشيات، والمضي قدما في عملية التكامل ولم الشمل الوطني. أما الخطوة الثانية التي يمكن لنا أن نتخذها، فتتمثل في تشجيع الجهود الرامية لوضع حد للمعامل الكيماوية التي تتم فيها معالجة الخشخاش الذي يصنع منه الأفيون.
غير أن هاتين الخطوتين لن تكفيان لوحدهما. فلابد من إنشاء وحدة دولية معنية ومختصة بمكافحة المخدرات، على أن تكون وحدة مغايرة لقوة العون الأمني التابعة لحلف الناتو، والموجودة حاليا في أفغانستان. إلى ذلك، فإن هناك خطوة إضافية لا تقل أهمية عن إجراءات المكافحة هذه، وتتلخص في السعي لإيجاد محاصيل زراعية بديلة للمخدرات. وهناك الكثير من المؤشرات على أنه في الإمكان التحكم بالإنتاج الزراعي، فيما لو اتخذت إجراءات وتدابير إزاء المشكلة الرئيسية، المتمثلة في فقر صغار المزارعين. وفي مقدور المحاصيل الزراعية التقليدية مثل القمح والذرة الشامية، أن يوفرا بديلا يمكن التعويل عليه. يذكر في هذا الصدد، أن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، قد بادر إلى تقديم العون لأفغانستان في دراسة واستكشاف السوق الجديدة، مثل سوق محصولي جوز الهند والعنب. وإلى جانب إدخال واستخدام نظم الري الحديثة، فإنه لا بد من ابتكار زراعة العديد من الأشجار والنباتات المنتجة هناك، لمقابلة تنامي الحاجة الأفغانية المتزايدة للنباتات المنتجة. وما من سبيل آخر سوى دعم وتشجيع كل هذ