جريمة محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في بيروت حجبت الأضواء عن كثير من الأحداث في المنطقة، واحتلت الموقع الأول في المتابعة والرصد لما يجري في لبنان ولعلاقته بسوريا وبالتالي لما يدور من اتصالات دولية مكثفة حول هذا الشأن . فالجريمة في توقيتها وقعت بعد وقوع لبنان في فخ التمديد لرئيس الجمهورية. وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي يستهدف لبنان وسوريا والعلاقة بينهما والوجود العسكري السوري على الساحة اللبنانية. ووقعت قبل ساعات من صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة. لكل هذه الأسباب، التي جعلت لبنان تحت المراقبة الدولية عملياً، ولحدة الانقسام الداخلي اللبناني واستثنائية الشخصية المستهدفة المميزة بدورها الانفتاحي داخلياً، وتنوع علاقاتها، وحضورها العربي والدولي، وشبكة اتصالاتها وقنواتها، ولأن المحاولة ذكـَرت اللبنانيين بعد سنوات من الاستقرار، بالأيام السوداء التي عاشوها خلال الحرب، وأظهرت لبنان وكأنه مكشوف مرفوع الفضاء عنه وبالتالي معــَرض لكل الاحتمالات من اهتزازات وتفجيرات واغتيالات وتوترات، لكل ذلك، كان من الطبيعي أن تكون هذه الجريمة الحدث الأول . ولكن جرائم إبادة جماعية لا تزال تحصل في العراق وفلسطين على أيدي القوات الأميركية والإسرائيلية لم تعد وللأسف هي الحدث بل أصبحت نوعاً من الروتين القاتل الذي يعيشه الفلسطينيون والعراقيون.
ففي العراق، وتحت عنوان التحضير للانتخابات كانت الحرب التدميرية ضد سامراء التي حصدت مئات الشهداء والجرحى لـ"تحريرها" و"تحضيرها " لانتخابات شكك كثيرون في إمكانية إجرائها، وفي نزاهتها في حال إجرائها ! وتحتشد القوات على أبواب الفلوجة وفي سمائها وكذلك في مدينة الصدر وغيرها من المدن . إنها الانتخابات الحضارية المرتقبة التي تجري بالإرهاب وتكتب لوائحها بالدم وتدمغ أوراقها وصناديقها بالدم وتعلن نتائجها بالدم . إنها التجربة النموذجية الجديدة في العمل الديمقراطي، وعنوان مشروع الشرق الأوسط الكبير للتغيير. والمشهد اليومي الذي بات معتاداً في العراق، سيارات مفخخة في كل مكان، وكأن ثمة مصنعاً أو موقعاً جاهزاً لتحضيرها وتوزيعها على المدن والقرى والشوارع الكبرى. إنها ظاهرة لم تعشها بهذا الشكل الواسع أي دولة أثناء حروب أهلية اندلعت فيها. والموت اليومي الجماعي يتواصل والفقر يزداد والدمار والخراب يعم. ويضاف إلى هذه المسؤولية الأميركية مسؤوليتان أســــاسيتان بل فضيحتان: الأولى صدور التقرير الأميركي النهائي والرسمي الذي يؤكد أن لا وجود لأسلحة دمار شامل في العراق . والثانية تصريحات عدد من المسؤولين الأميركيين وآخرهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي أن لا علاقة بين صدام والقاعدة، ثم القول بأن لا علاقة بين صدام والزرقاوي .
فإذا كان الأمر كذلك في نظر أكثر المندفعين للحرب، فلماذا كانت هذه الحرب في الأساس؟ ( مع الإشارة إلى أن البيت الأبيض كذَب رامسفيلد وأكد وجود علاقة بين صدام و"القاعدة"!) ويضاف إلى هذه الفضيحة الثانية بند متعلق بالتصريحات الأخيرة للحاكم الأميركي السابق للعراق بول بريمر الذي ذهب ومعه ملفات فضائح كبيرة مــــن "أبوغريب" إلى مليارات الدولارات التي أنفقت وفيها الكثير من الإهدار ! قال بريمر:"لقد دفعنا ثمناً كبيراً لعدم وقف عمليات النهب" وأضاف:" لقد كانت لدينا الخطط لكل شيء لم يحصل"! وفي النهاية يدفع العراقيون الثمن. وعندما أشرنا إلى هذه الأمور في حينها اعتبر كلامنا تحريضياً، فها هم يعترفون به اليوم ولكن بعــــــــد" خراب البصرة".
أما في فلسطين فإسرائيل ترتكب المجازر الجماعية يومياً وتنفذ عملية "ايام الندم" وتدمر المنازل وتجرف الأراضي لتحولها إلى صحراء قاحلة بحجة الضرورات الأمنية وتساندها أميركا في تبرير ذلك بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها من جهة، وتمارس حق الفيتو في مجلس الأمن فتحمي إسرائيل من أية إدانة دولية لها من جهة ثانية.
هكذا تبدو حكومة شارون نادمة على عدم اقتلاع الفلسطينيين كل الفلسطينيين من أرضهم لترتاح مرة واحدة! ولهذا يدعو بعض الحاخامات بعض الدول العربية لتوطين الفلسطينيين الموجودين في الضفة والقطاع على أراضيها! أي لتهجير كل الفلسطينيين خارج إسرائيل الآن وكمرحلة أولى إلى دول عربية مجاورة، وقد ذهب البعض إلى حدود الدعوة إلى إقامة مستوطنة على حدود الفرات وذهب البعض الآخر إلى حدود أبعد مذكراً بأن أراضي كثيرة خارج فلسطين هي لليهود ويجب إن يرحل عنها قاطنوها!. وبعض رموز حكومة شارون يعبرون في هذه الأيام عن ندمهم على وقف عمليات التطهير السابقة، ووقف تنفيذ قرار اغتيال أو إبعاد رئيس السلطة الفلسطينية. وإذا استمر الوضع العربي على ما هو عليه اليوم سوف تكون أيام ندم إسرائيلية أخرى يعبر فيها الإرهابيون عن ندمهم على عدم احتلال المزيد من الأراضي العربية أيضاً لأسباب أمنية واحتياجات مائية وربما نفطية، وستكون عمليات أمنية واسعة في عدد كبير من المواقع، أو وجود فاعل مباشر أو غير مباشر من خلال الأميركيين