في عالمنا للرقم معنى آخر مقارنة بالعوالم الأخرى من حولنا، فالتعامل معه أحيانا أقرب إلى الاندهاش أو الصدمة، فيقف البعض أمامه فاغرا فاه وما أن ينتبه حتى ينفي الصدق عنه ويشك فيه أو يكذبه جملة وتفصيلا.
فالخوف والرهبة من ذكر الإحصاءات في الشأن الاجتماعي يوقع البعض في حيرة من أمره وقد يكون الشخص غافلا عن متابعة مجريات الأمور حتى يفاجأ بأن الخيط قد انقطع من بين يديه وتناثرت حبات التماسك والصلابة على شكل مشكلات مبعثرة على جنبات المجتمع الذي لم يتصور في يوم ما أن تتفاقم مشاكله لدرجة يصعب معها أحيانا التفكير في كيفية الخروج منها بالسلامة والغنيمة في آن واحد، دون الوقوع في شر الآثار الجانبية.
لم يتوقع أحد أن يأتي يوم وتصل مشكلة العاطلين عن العمل في الدولة والباحثين عن عمل من أفواج الخريجين إلى أرقام فلكية بمقياس تطور الحياة الاجتماعية في مجتمع الإمارات. فعندما تم الإعلان منذ أشهر عن الرقم 30 ألف باحث وباحثة عن عمل هم مجموع العاطلين عن العمل، كان الأمر بمثابة الصعقة الكهربائية. ولدى هيئة تنمية من المسجلين حتى الآن ما يقارب 23 ألف باحث وباحثة عن عمل وفق الأرقام الإلكترونية المسجلة، علما بأن هؤلاء لا يشكلون كل العاطلين الفعليين. ولو عدنا إلى معدلات أعداد المسجلين الأسبوعية في بعض الأوقات فإن الرقم 500 لكل أسبوع لا يمكن لأروقة هيئة تنمية استقباله للتسجيل فضلا عن توظيفهم.
لماذا لا نتحرك لاستدراك هذه المشكلة المؤرقة وأمامنا شواهد بارزة من المجتمعات الخليجية؟ فالمجتمع البحريني مثلا لم يدرك خطورة المشكلة حتى خرج المئات في مسيرات تبحث لها عن مدخل للعمل، وقد أفاقت الحكومة على حقيقة مؤداها أن أعداد العاطلين عن العمل قاربت خمسة عشر ألف عاطل، فكان الحل السريع بأن خصص ضمان اجتماعي عاجل يخفف من ضغط الحياة القاسية على الثمار اليانعة التي كادت أن تحمض.
أما لدى شقيقتنا الكبرى السعودية فإن الأرقام أفخم من ذلك مقارنة بالبحرين فقد وصل عدد العاطلين هناك إلى قرابة نصف مليون عاطل يريد أن يساهم في دفع عجلة الاقتصاد في مجتمعه، فكان من ضمن الحلول العاجلة هو إنشاء صندوق مالي بميزانية سنوية تقدر بمليار ريال سعودي يساهم ولو جزئيا في إيجاد سبل التدريب والتوظيف لتلك الأرقام المتصاعدة من الطاقات القادرة على العطاء.
فلم نخاف من الأرقام الكبيرة في مجتمعنا، خاصة إذا كانت حقائق لا بد من مواجهتها بشجاعة وصراحة. لقد تمت الموافقة أخيرا على صندوق تنمية المهارات للقوى الوطنية العاطلة إلا أنه وضع أمامه صندوقا مليئا بالعراقيل البيروقراطية لم يجد إلى الآن من يزيله.
وتواصل هيئة تنمية جهودها الحثيثة لحل لغز هذا الصندوق، خاصة وقد وافق عليه مجلس الوزراء، ومع ذلك لم يسمح له بأن يعطي ثماره لآلاف الخريجين الذين يبلعون أمواس الأمل وها قد أوشكت السنة على الانتهاء ولم يدخل إلى جيب هذا الصندوق الموعود فلسا واحدا تدفع قطار التدريب والتوظيف قدما إلى الأمام.