الجمهوريون يعرفون ويتمنون بوش لأربعة أعوام جديدة. فيما الديمقراطيون يعرفون ويتمنون أن يفوز كيري بعد 4 أسابيع. ونعود لمحاولة فهم النظام السياسي والانتخابات الأميركية الأعقد والأطول والأكثر كلفة حول العالم. وكنت قد كتبت على صفحات "الاتحاد" مقالين محاولاً شرح وسبر غور ذلك اللغز العميق الذي لا يبدو واضحاً للكثير من الناس في داخل أميركا وخارجها.
فقد كتبت في "الاتحاد" في 30 يوليو من هذا العام: (الانتخابات الأميركية: محاولة لفهم النظام). ثم كتبت: ( العراق عامل حاسم في الانتخابات الأميركية). لا يمكن لأحد أن يخطئ تلك الانتخابات الأهم في عصرنا الحالي. هي الانتخابات الأهم والأوسع والتي تؤثر فينا جميعاً. نظام الانتخابات الأميركية معقد، كتب وصيغ قبل أكثر من قرنين ويضمن أن لا يختار المواطنون العاديون والمزارعون اختيارات غير صائبة، بل ضمن النظام، لذلك بات اختيار أو انتخاب الرئيس يتم بطريقة غير مباشرة، ما يعني أن الناخبين نعم يصوتون يوم الانتخابات في نوفمبر من السنة الكبيسة لمرشحهم، ولكنهم في الحقيقة يصوتون للائحة ستقوم بالتصويت عنهم للمرشح الذي فاز بالولاية التي أدلوا بأصواتهم فيها. ولأن النظام السياسي الأميركي عندما تمت صياغته كنظام فيدرالي ودستور مكتوب يحافظ على التوازن الدقيق بين الولايات الكبيرة والأخرى الصغيرة، ويوازن بين الشمال والجنوب، فقد أعطيت الولايات الكبيرة تمثيلاً حسب التعداد السكاني، فيما تم إرضاء الولايات الصغيرة بإعطاء جميع الولايات الكبيرة والصغيرة تمثيلاً للولاية بواقع مقعدين في المجلس الأعلى -مجلس الشيوخ. فلذلك بات لكل ولاية عضوان في المجلس الأعلى وهو مجلس الشيوخ، فيما عدد أعضاء المجلس الآخر -مجلس النواب- يعتمد على عدد السكان في الولاية. فولاية مثل كاليفورنيا فيها أكثر من 30 مليون نسمة أكثر من سكان كندا يعني لديها 53 نائباً، ولديها عضوان في مجلس الشيوخ. وولاية أخرى صغيرة مثل ألاسكا أو ساوث كارولينا، لديها نائب واحد لأن عدد سكانها لا يتجاوز المليون. ولكن أيضاً لديها عضوان في مجلس الشيوخ للتوازن. وحتى تصبح رئيساً للولايات المتحدة، على الرئيس الفائز أن يحرز 270 صوتاً من أصوات هيئة الناخبين. كيف نصل إلى هذا الرقم؟ المعادلة كالتالي:
1- عدد أعضاء مجلس النواب في الخمسين ولاية: 435 نائباً.
2- العاصمة واشنطن منحت ثلاثة أصوات: 3 ممثلين.
3- عدد أعضاء مجلس الشيوخ للخمسين ولاية: عضوان لكل ولاية ما يساوي 100 ممثل.
العدد الكلي لممثلي هيئة الناخبين هو:538 ممثلا.
وكل ولاية تمنح تمثيلاً في هيئة الناخبين، وهو أصوات تعادل مجموع عدد النواب للولاية، ويضاف إليها عدد أعضاء مجلس الشيوخ مضاعفا. فولاية كاليفورنيا لديها 53 عضوا في مجلس النواب وعضوان في مجلس شيوخ مما يعني أن لديها 55 صوتاً في هيئة الناخبين، أو المجمع الانتخابي، أو أكثر من 51% من الأصوات الكلية لهيئة الناخبين. وهناك مجموعات من هيئة الناخبين لكل مرشح على لائحة التصويت في الولاية. فهناك هيئة ناخبين لكيري-ادواردز وهناك هيئة ناخبين لبوش-تشيني. وهناك هيئة ناخبين ثالثة لرالف نادر في 37 ولاية حيث حصل على الشروط المطلوبة حسب لوائح الولاية ليكون اسمه على لائحة الاقتراع. ومن يفوز بالولاية ولو بفارق 1% يحصل على جميع أصوات هيئة الناخبين كلهم وليس نسبياً، مما يعني أنه يحقق تقدماً للرقم السحري المطلوب وهو 270 صوتاً ليصبح رئيساً لأميركا. عدم عدالة هذا النظام أن المرشحين يركزون على الولايات الكبيرة مثل كاليفورنيا (55)، تكساس (34)، نيويورك (31)، فلوريدا (27)... وهكذا، بالتركيز على الولايات الـ21 الكبرى تصبح رئيساً لأميركا مع تجاهل كلي للولايات الصغيرة التي لم يكلف بوش وكيري نفسيهما عناء زيارتها فيما زارا الولايات الكبيرة، والولايات المتأرجحة التي ستحسم السباق للبيت الأبيض عشرات المرات. زار بوش اوهايو 83 مرة وبنسلفانيا 72 مرة.
نظام معقد يعمل به من أكثر من قرنين ولا يتم تعديله بالرغم من تطور المجتمع والنظام. لماذا؟ لأنه يخدم كلا الحزبين ويحرم أية فرصة لحزب ثالث لينافس. وهكذا تبقى أميركا موطناً للحزبين الجمهوري والديمقراطي.