يوم 22/9/2004 أدانت اللجنة الدائمة -في الأزهر الشريف- لحوار الأديان، بشدة، خطف الأبرياء المدنيين العزّل وذبح وقتل الرهائن والتمثيل بجثثهم، مؤكدة أن الإسلام براءٌ من هذه الجرائم! ونقلت "الاتحاد" عن شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي قوله: إن أسلوب خطف الرهائن وقتلهم سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، وأياً كانت جنسيتهم، مرفوض بكل وضوح وحزم، وأنه خلق يتعارض مع كل قواعد الدين الإسلامي الذي يدعو إلى احترام الحياة البشرية، لا سيما حياة الأبرياء.
نحن في الواقع نعيش حيرة بين النص والتفسير، والفعل ورد الفعل، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الأمة التي رُهنت على محك الفوضى وأسلوب الغوغاء في تفهّم واقع الأمة ومستقبلها. ماذا نقول لأبنائنا عندما يسألوننا: هل نصدق الفتاوى التي نسمعها عن ضرورة قتال الأميركيين ومن يساعدهم من المدنيين؟ وهل هذا ينطبق على الأميركيين الذين يعيشون في العراق -إثر الاحتلال الأميركي للعراق- أم على كل من يساعدهم وإن كانوا خارج العراق، بحكم أن المساعدة -في عصر التكنولوجيا- تختصر المسافات والأزمنة... وأن تعميم النص قد يطال المسلمين الذين يعملون بمصانع الأدوية والأغذية التي تباع للجيش الأميركي داخل وخارج الولايات المتحدة· وهؤلاء الذين يصنّعون السيارات الفارهة للمفتين!
ماذا نقول لأبنائنا الذين نعوّدهم في المدارس على التسامح وحب الآخرين، ونضرب لهم مثلاً بالرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، عندما دخل مكة منتصراً! قال للطرف المهزوم: اذهبوا فأنتم الطلقاء! لنتصور هذا الموقف التسامحي الذي ينبئ عن دبلوماسية عظيمة. وأن أي إجراء من الرسول غير ذلك سوف ينذر بعواقب وخيمة أقلها: الحرب الأهلية، والانتقام وبث الحقد والأضغان في صفوف المسلمين. لنتصور الموقف الجريء والحازم ونقارنه بثقافة رفض الآخر التي نعيشها!
بصراحة، نحن نعيش أزمة التداخل غير الموفق بين متطلبات العصر، وتوجهات الحكومات العربية نحو التعامل مع الولايات المتحدة، وبين موقف رجال الدين -هداهم الله- فيما يتعلق بالقضية العراقية. ولا نعلم إن كان هذا التداخل في صالح الحكومات (التي تعلن صراحة عن موثوقية علاقاتها مع الولايات المتحدة) أم في صالح الجماعات التي تؤمن بالقتل وتشويه الجثث و"نحر" الأبرياء دون سبب.
هذه الأزمة تخلق لدى جيل الشباب "تشويشاً" فيما يتعلق بفهم المرحلة الحالية، خصوصاً أن وسائط الإعلام الحرة تكشف كل مخبوء، وتحلل المواقف استناداً إلى المعطيات العقلانية التي لا تجنح إلى العاطفة، ولهجة تأجيج المشاعر.كما أن هذه المناظر المؤذية لقتل الأبرياء تؤجج الشارع الغربي، خصوصاً وأن جهات مسلمة تعلن صراحة مسؤوليتها عن أعمال الاختطاف والذبح البشع!
ماذا نفعل نحن الذين ليس لنا سوى الكلمة؟ ماذا نفعل كي نوضح لأبنائنا الذين ما عادوا يذهبون إلى (المطوع) فقط، بل إنهم يسمعون الإذاعات ويشاهدون الفضائيات ويتواصلون عبر الإنترنت بلغات عدة!
نحن هنا لا نتهم أحداً، حتى لا يمتشق بعض قيصري النظر ويتهمنا بالعلمانية أو غيرها من الشماعات التي تقمع الكلمة، وتجعل أمر الحياة للبشر بيد فئة من الناس، وكأنهم يملكون صكوكاً بتسيير البشر، وإلغاء عقولهم وبشريتهم! ألم يدعنا القرآن إلى التفكر في خلق الكون، واستخدام العقل للتدبر (أفلا يتدبرون)؟ ولماذا يتم الحجر على العقول، خصوصاً تلك التي ترنو لمستقبل أفضل لشعوبها وأهلها؟
إن التعصب والحقد الأعمى ورفض الآخر من السلبيات التي رافقت الإسلام حقباً طويلة، فبأي حق يقوم من يقوم على المنابر داعياً الله بإهلاك النصارى وتشتيت شملهم وترميل نسائهم؟ لمصلحة من كان يتم ذلك، وهل في الإسلام شيء كهذا؟ ولماذا توقف ذلك الدعاء اليوم؟ لمصلحة من يهجم بعض النيباليين على مسجد المسلمين في كاتمندو ويهدمون المسجد بعد حادثة النيباليين في العراق؟
لقد عادى الكثير من العلماء "صكوك الشهادة" التي كان يصدرها الخميني للشباب الإيراني الذي زُجّ به إلى الحرب، وها هم اليوم يصدرون ذات الصكوك إلى الشباب العربي والعراقي.إن الأجدى بعلمائنا أن يعلمونا ثقافة الحياة لا ثقافة الموت! وأن تكون هنالك رؤى استشرافية في المسألة العراقية، تبعدنا عن التشويش.
أحد أصدقائي الأعزاء جاء لتوّه من العراق يقول: يأتيني من يسمون بالمقاومة ليلاً بمدافعهم المتحركة ويطلقون القذائف من داخل مزرعتي ويذهبون، فتأتي الطائرات وتقصف بيتي، ولقد تم قصف أنبوب نفط لم يُصب، ولو تمت إصابته لاحترق بيتي وزالت مزرعتي، فهل هذا من فعل الإسلام أو المقاومة؟
ما يجري في العراق ليس ما نشاهده على الفضائيات! إن الشعب العراقي العظيم الذي يحاول لملمة جراحه بعد انتصاره في المرحلة الأولى ضد القهر والذل والمهانة التي عاشها على يد النظام العراقي، قادر على خوض معركة رد الاحتلال، والظفر باستقلاله، ومن حقه العيش بكرامة ونُبل دون تدخل الآخرين، ودون "دسّ" المخربين بين صفوف العراقيين لإفشال الدولة الحديثة وإحراجها أمام العالم.
لقد أخذتنا الحميةُ الجاهلة