في حين يبقى العراق المركز المثير للجدل حول الحرب ضد الإرهاب، تبرز إندونيسيا بهدوء تحت قيادة زعيمها الجديد باعتبارها ثقلاً معادلاً ومهماً للتطرف الإسلامي. وعلى رغم أن أرخبيل الجزر الإندونيسية الذي يمتد على 3 آلاف ميل هو رابع أكبر أمة من حيث كثافة السكان في العالم وأكبر بلد مسلم في العالم، فإنه ليس موجوداً بشكل روتيني في العناوين الرئيسية للصحف الغربية أو شاشات التلفزة في أميركا أو أوروبا. وعلى رغم أن المراسلين المتمركزين في عواصم آسيوية أخرى "يقفزون بالمظلات" في سبيل الحصول على الأخبار العاجلة، فإن الكثير من هيئات الأخبار الأجنبية الرئيسية لم تعتبر جاكرتا عاصمة ذات أهمية كافية لضمان تغطية الطاقم المقيم. لكن إندونيسيا- وهي بلد غير عربي يُعتبر تقيده بالإسلام أكثر اعتدالاً على وجه العموم بالمقارنة مع التطرف الذي يتجلى في بعض البلدان الشرق أوسطية، يمكن لها أن تقدم مثالاً معادلاً وديمقراطياً لتلك الأراضي العربية.
في الشهر الماضي، أتم الإندونيسيون عملية انتخابية معقدة تُوجت بانتخاباتهم الرئاسية المباشرة الأولى دافعين بذلك بلدهم على طريق الديمقراطية واضعين حداً لسنوات من الاستبداد والفوضى. ورئيسهم الجديد هو جنرال سابق اسمه "سوسيلو بامبانج يودويونو"، وهو ذو اسم غير مألوف إلى حد ما في بلد لا يحمل فيه الكثير من الأشخاص سوى اسم واحد مثل سوكارنو، وسوهارتو. وقد خاض كثير من أصدقائي الإندونيسيين تجارب في محاولة لفتح حسابات مصرفية أو الحصول على رخصة قيادة سيارة في الولايات المتحدة، فأخبرهم صغار البيروقراطيين أنه من غير الممكن أن يكونوا شرعيين هنا من دون اسم أول ولقب. فالكثير من الإندونيسيين يختصرون اسم رئيسهم الجديد بالأحرف "إس بي واي"، لكن اسمه في هذا المقال سيكون السيد "يودويونو".
سوف تسمعون أكثر من هذا بكثير عن الرئيس "يودويونو"، لأن هناك توقعاً على نطاق واسع بأنه سيكون عازماً على تعزيز اقتصاد إندونيسيا المصاب بالركود، وملاحقة الفساد وطمأنة المستثمرين الأجانب وتقليص البطالة واتخاذ موقف أكثر صرامة حيال الإرهاب. والهدف الأخير طبعاً جذاب للولايات المتحدة المهتمة بنشاط خلايا تنظيم القاعدة- والخلايا الإرهابية المرتبطة بالقاعدة- في جنوب شرق آسيا. وقد كان لإندونيسيا مؤخراً تجربتها الخاصة العنيفة على أيدي إرهابيين كهؤلاء.
إن "يودويونو" هو في كثير من الاعتبارات رئيس مخلص لواشنطن. ذلك أن له ست تجارب تعليمية مختلفة في الولايات المتحدة، خمسة منها عسكرية وواحدة مدنية. ويقول بعض العسكريين الأميركيين عنه إنه المثال التام والمناسب لبرنامج التدريب والتعليم العسكري- المعلق حالياً بالنسبة لإندونيسيا- والذي أحضر الضباط العسكريين الإندونيسيين إلى الولايات المتحدة من أجل التدريب. وقد خضع أيضاً للتدريب على حرب الأدغال في بنما.
لكن على رغم أنه كانت هناك روابط قوية في الماضي بين الضباط العسكريين الإندونيسيين والأميركيين، وعلى رغم أن "يودويونو" ربما يسعى إلى استعادتها، فإن الإندونيسيين قوميون يفخرون بقوميتهم. وهذه القومية، المقترنة بالتشكك حول الممارسات الأميركية في العراق وبتصور بين بعض الإندونيسيين مفاده أن الولايات المتحدة معادية للإسلام، تجعل من غير الحكمة بالنسبة إلى "يودويونو" أن يتم تصوره كعميل للسياسة الأميركية الخارجية. فإذا كان مقدّراً أن يكون أكثر صرامة على الإرهاب من سلفه "ميجاواتي سوكارنو بوتري" فلا بد من أنه سيفعل ذلك لأن الأمر تهديد لشعبه وبلاء متعاظم في بلدان جنوب شرق آسيا المجاورة. ولا بد من أن تتم رؤيته يتخذ خطوات معادية للإرهاب بالانسجام مع تلك البلدان المجاورة كتايلاند والفيليبين وماليزيا وسنغافورة، بدلاً من التصرف انصياعاً لأوامر الولايات المتحدة الأميركية. ولذا ينبغي ألاّ نتوقع من "يودويونو" أن يطالب بتذمر وصخب بزيارة مبكرة إلى واشنطن.
وفي دوره الأول كوزير للأمن في إدارة السيدة "ميغاواتي"، كان "يودويونو" صريحاً حول التهديد الذي يشكله الإرهاب، لكنه ليس من الواضح حتى الآن كيف سيتعامل مع تنظيم "الجماعة الإسلامية". وتزعم الشرطة الإندونيسية أن هذه الجماعة مسؤولة عن أعمال الإرهاب، لكنه لم يتم حظرها رسمياً، كما أن "يودويونو" يعتمد على تأييد عدد من الجماعات السياسية الإسلامية. ويجب على الرئيس الجديد أيضاً أن يتعامل مع المنافسات ما بين الشرطة وزملائه القدامى في الجيش، والذين ربما يرجون الحصول على منافع إضافية من الأعلى- هذا على رغم أن "يودويونو" قد أوضح أن الجيش، الذي يتمتع منذ وقت طويل بنفوذ في السياسات الإندونيسية، ينبغي أن يتم كبح دوره في الشؤون المدنية.
وعلى رغم أن التحديات تكثر، فإن إندونيسيا متجهة على ما يبدو في اتجاه يدحض الفكرة الخاطئة التي مفادها أن الإسلام والديمقراطية لا ينسجمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريس