حرب لم تدر على خلافة عرش ولا كرسي سياسي كالعادة، ولا حتى حقيبة وزارية، لكنها حرب على كرسي السلطة الرابعة العربية ونتحفظ على كلمة سلطه، إنه كرسي اتحاد الصحافيين العرب الذي يشغله الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير ومجلس إدارة الأهرام، قطب المعركة الأول نافع الذي أمضى في رئاسة الاتحاد ثماني سنوات أما قطبها الثاني فنقيب الصحفيين المصريين الأستاذ جلال عارف. كانت الأخبار القادمة من القاهرة مثيرة للخجل لا الاستغراب، فقد شهدت هذا الأسبوع بدء فعاليات المؤتمر العام العاشر لاتحاد الصحافيين العرب فكان عنوان المؤتمر:"دفاعا عن الديمقراطية وحرية الصحافة" بحضور ممثلي 19 نقابة عربية للصحافيين، و45 هيئة ومنظمة عربية ودولية. سيناريو اعتيادي للجلسة الافتتاحية، لكن بعد كلمة الرئيس المصري تصاعدت أزمة الصحافة المصرية عند ما جلال عارف، نقيب الصحافيين المصريين، من المؤتمر احتجاجا على "سياق الوقائع الغريبة والخروق غير المسبوقة للقواعد والأعراف الديموقراطية ولنصوص صريحة في دستور الاتحاد أدت إلى تهميش واستبعاد النقابة المصرية أعرق وأكبر منظمة نقابية عربية للصحافيين وأكثرها التزاما بالقواعد الديموقراطية في تشكيلاتها، عن كل ترتيبات عقد المؤتمر" إضافة إلى حرمانه من حقه المقرر في المادة 22 من الدستور في رئاسة أعمال المؤتمر بصفته نقيب الصحافيين في الدولة المضيفة وإسناد الرئاسة إلى رئيس الاتحاد.
دراما الانسحاب المفاجئ هي المعركة الأولى، حيث واصل إبراهيم نافع رئاسة الاجتماع ولتبدأ الحرب.
بدأت على الفور سلسلة معارك واشتباكات بالأيدي والأقلام، حرب بيانات وتصريحات، مؤتمرات صحفية، ومؤتمرات مضادة، حالة استقطاب حادة في الشارع الصحفي المصري. نقيب الصحافيين جادل بأن من واجبات الاتحاد في الظروف الراهنة مطالبة الحكام العرب بالإصلاح والديموقراطية وكفالة التداول السلمي للسلطة، لكن كيف يقوم الاتحاد بهذا الواجب حال نجاح مسعى نافع في تمديد فترة رئاسته للاتحاد ولاية ثالثة؟. يذكر أن نصف أعضاء مجلس النقابة المصرية (12 عضواً) بمن فيهم الأمين العام للنقابة انسحبوا من المؤتمر مع عارف فيما بقي أربعة أعضاء من المجلس فقط ثلاثة منهم يعملون تحت رئاسته في صحيفة "الأهرام.
لا نتحيز لهذا ولا لذاك والحقيقة لا تعنيا لعبة الكراسي تلك، لكن ما يعنينا هي أن نماذج الممارسات الديكتاتورية معدية إلى حد كبير، الحقيقة لقد فقد مؤتمر الديمقراطية مصداقيته بعد أن فقد أدواته. أما حرية الصحافة فهي تعني استخدام الصحيفة لتصفية الحسابات ولنشر البيانات والبيانات المضادة للطرف الآخر، فجندت صحيفة "الأهرام" صفحاتها وأعمدة كتابها لشن هجوم مضاد على نقيب الصحافيين المستقيل. لا نتوقع أن تكون المؤسسات الصحافية مدن "أفلاطون" الفاضلة، لكن ليوقف مسلسل الفضائح على الملأ، فالكرسي هو القصة المحصلة وما عداه كلام للاستهلاك.
وبين التراشق والتقاذف تطايرت أوراق عمل المؤتمر وطغت أخبار حرب الكراسي على أخبار المؤتمر وجلسات العمل، ستعقد الجلسات وتكتب التوصيات وترفع الجلسة الختامية وسينفض الجمع لكن سيبقى ما حصل في القاهرة درسا لانعدام التربية الديمقراطية وحتى تربة الديمقراطية التي ينشدها المؤتمر، والمؤسف أن تكون هذه الحرب بين صحفيين من أصحاب قلم ورأي‏،‏ وكان من المفروض أن يكون الحوار والمكاشفة هما الأساس، قد تكون الجينات العربية، وقد يكون عشق المناصب والتفخيم المستشري بالثقافة المصرية، ولا ننسى الريادة المصرية للعالم العربي حتى في ديكتاتوريات السلطة الرابعة.
ستستمر "الديمقراطية" و"حرية الصحافة" حبرا على ورق كلام لا يخرج عن قاعات الندوات فالتجسيد العملي لثقافة الديمقراطية شهدناه في القاهرة، فلنتوقف عن رمي النظم العربية بالحجارة فبيوتنا أوهن من بيت العنكبوت، لن تتوقف المهازل الإعلامية لكن لا نقول إلا:ارحموا الديمقراطية يا أهل الصحافة فقد ضاعت المصداقية قبل أن تصل الديمقراطية.