ماذا يحدث عندما يميط الملثم اللثام عن وجهه؟! أول ما يحدث أنه سيرى وجهه الحقيقي، ومن ثم سيرى الحقيقة بدون أي حواجز نفسية أو مادية، وبالتالي يزول الغموض من حياة ذلك الشخص ويزول الغموض حول الدين الذي يعتقد أنه بحاجة إلى أن يتلثم بسببه.
وماذا يحدث عندما يرفع الشيخ عمامته؟! بالتأكيد إنه يحدث الكثير، وخصوصا في مجتمعات شرقية، للدين فيها قيمة معنوية وأخلاقية كبيرة ومن الصعب على هذه المجتمعات أن تعيش بلا أشخاص يتكلمون في أمور الدين والحياة. وعندما ترفع عمامة حقيقية وصادقة وعمامة عالمة فإن ألف عمامة جاهلة ومزيفة تظهر وتأخذ المجتمع إلى الطريق الصعب والخاطئ كما يحدث اليوم.
من الواضح أننا في هذه الحقبة من الزمن نعيش حالة من العبث الفكري بين أناس يلعنون الرئيس الأميركي جورج بوش ويحملونه كل ما أصاب العالم من حروب وخراب ويصفّون عبارات الإعجاب والمديح لابن لادن، وبين آخرين يصبون اللعنات على ابن لادن ويكيلون المديح والإعجاب والتأييد لجورج بوش... إنها حالة من الفوضى يعيشها العالم في فترة صار يشعر فيها كثير من الناس باختلال في التوازن وفقدان للبوصلة المنطقية التي توصلهم إلى القرار والموقف السليمين... والحقيقة أن كلا الرجلين على خطا فالأول أعلنها حربا صليبية والآخر أعلنه جهادا إسلاميا وكلاهما وجهان لعملة واحدة هي عملة التطرف والتعصب الديني الأعمى الفرق بينهما أن الوجه الأول يتكلم العربية والآخر يتكلم الإنجليزية ولا يختلفان في المعنى أو الهدف ولا في ذنبهما فيما وصل إليه العالم اليوم من فوضى وعدم استقرار.
احتلال العراق الأخير كشف خلاصة ما وصلت إليه هذه الأمة من فكر ديني متطرف فبين عمامة لا تعيش واقعها وبين لثام لا يعترف إلا بلون الدم صار العالم يحكم على الإسلام ويتعامل مع أبنائه على هذا الأساس. إننا بحاجة إلى أن نزيل كل أنواع اللثام المادية والمعنوية عن وجه هذه الأمة حتى يزول ذلك الاحتقان الديني الذي يشعر به البعض، والذي يجعله يشعر بأنه ليس جزءا من هذا العالم، وأن الآخرين يحاربونه، فصحيح أن هناك أعداء يتربصون بنا، ولكن هناك أصدقاء يؤمنون بنا ويحترموننا. إذا ما أردنا أن نكون جزءا من هذا العالم، فلا خيار أمامنا إلا أن نزيل لثام الريبة والانعزال والاحتقان الذي يؤدي إلى التطرف واستعداء الآخر.
التاريخ يؤكد يوما بعد يوم أن إدخال العمامة والدين في السياسة مسالة لا مفر من تجاهلها، وأن إدخال الدين في السياسة يسيء لذلك الدين، والأحداث والتجارب أثبتت أن من استخدم الدين في السياسة فإنه استغله بصورة غير سليمة، ومن ثم فإنه شوه صورة الدين بشكل لا يرضاه أتباع ذلك الدين، وهذا ما يحدث اليوم. فكل من استغل الدين لأغراض سياسية أو فكرية فإنه انحرف وتطرف وبالغ فوقع في المحظور وأوقع الدين في الإساءة إليه.
يجب أن لا ننكر أن فئة من الإسلاميين استخدمت الآية الكريمة "كنتم خير أمة أخرجت للناس..." بصورة سيئة فهم لا يكملونها وتكملتها كما هي في القرآن الكريم "....تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"...فيكتفون بالمباهاة بأنهم من خير أمة أخرجت للناس، والمشكلة أن الذين أكملوا الآية أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر بطريقتهم الخاصة التي كانت في الغالب غير مقبولة، بل ومسيئة... وهذه الآية مثال على الاستخدام غير العادل للدين في السياسة وبناء على تفسيرها اعتبر البعض أن المسلمين أفضل من باقي الشعوب وعلى هذا الأساس أصبحت شريحة من أبناء المجتمع الإسلامي يعاملون كل من هو غير مسلم بطريقة غير مقبولة.
الواقع يحتم أن لا يصمت الإنسان حيال الأفكار المتطرفة والأفعال المتشنجة، فالسكوت اليوم صار غير مقبول، كما أنه لا مكان للتوقف والتفرج على ما يحدث حولنا. فالعالم يمر بوقت دقيق وظرف سياسي واجتماعي، يحتاج إلى تكاتف المجتمع وفهم ما يحدث حوله وتسجيل المواقف يجب أن يكون بلغة صريحة وخط واضح وكلمات محددة... وهنا تكمن المشكلة. فكثير من الرجال ما زالوا مترددين، والذين يفترض أن لكلمتهم وزنا وقيمة عند الناس، نجدهم صامتين يتفرجون، ولا يعرفون أي موقف يتخذون، وللأسف بعضهم يعرف الحق ويصمت عنه والسبب أنه لا يريد أن يغضب محبيه ومريديه، لأنه يعرف أن ما سيقوله قد يخالف أهواءهم فيخسرهم.
إذا كنا مقتنعين بأن هناك فتنة لثام وعمامة، فإننا يجب أن نؤكد على أن كل فرد في المجتمع يتحمل جزءا من المسؤولية فيه، ومن ذلك مسؤولية دعم الفكر الديني المعتدل المستقل الذي لا يخضع لأي تيار ديني سياسي ذي أهداف سياسية أو تخريبية، ولا يكون هذا الفكر الديني فكرا حكوميا سلطويا، يرفضه المجتمع قبل أن يستمع إليه... فنحن بحاجة إلى فكر ينبع من حقيقة الإسلام ويتماشى مع روح العصر الذي نعيشه، ويأخذ بيد مجتمعاتنا إلى المستقبل لا كما يحدث الآن من الأفكار الرجعية التي تعيدنا قرونا إلى الوراء بحجج واهية.
ومن المهم أن ندرك أنه لا يمكن تغيير أي مجتمع بين يوم وليلة. فالمجتمعات بحاجة إلى سنوات وربما أجيال لتعيد تنظيم تفكير الناس وذلك ليس بالق