خلال الأسبوع الجاري، يتوقع أن تجتمع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" في العاصمة الإيطالية روما. كما يتوقع أن يحضر الاجتماع مسؤولون يمثلون حوالي 120 دولة من مختلف أنحاء العالم. أما الأولوية التي سوف يتناولها جدول أعمال الاجتماع فهي الأمن الغذائي. وكما يقول الخبراء، فإن العالم يقف اليوم، على شفا أزمة غذائية محققة. لكن إياك أن تنزعج، فيما لو لم تلق مثل هذه التحذيرات أذنا صاغية من قادة العالم ورؤسائه. فقد سمعوا نداءات وتحذيرات كهذه من قبل، نحو ثلاثة عقود خلت، غير أنهم لم يفعلوا شيئا، سوى الاستخفاف بحجم الخطر. ومع ذلك، فإن السؤال الذي لابد من طرحه بإلحاح هو: هل سيكون في مقدورهم تكرار ما فعلوه من قبل؟ على أية حال، فإن الأرقام والإحصاءات لا تشجع البتة، بل مثيرة للقلق والخوف.
فعلى مستوى الطلب، تذهب تقديرات منظمة "الفاو" إلى أن نحوا من 842 مليون نسمة على نطاق العالم، كانوا يعانون نقصا في الغذاء خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2001. وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد بدأ بالتناقص خلال النصف الأول من عقد التسعينيات نفسه، إلا أنه ارتفع من حينها، ليشمل 18 مليونا في الدول الفقيرة، و9 ملايين في الدول الاشتراكية التابعة للاتحاد السوفيتي سابقا، التي شرعت باتجاه التحول نحو اقتصاد السوق. ومع أن الهدف الذي ترمي إليه منظمة "الفاو" هو خفض العدد الحالي للملايين الذين يعانون من نقص الغذاء على مستوى العالم، إلى 50 في المئة منهم، بحلول عام 2015.
إلا أن هناك ما يزيد على 122 دولة نامية ودول أخرى في مرحلة الانتقال والتحول، لا تزال متخلفة جدا عن تحقيق هذا الهدف، أو غير قادرة على تحقيقه لجملة أسباب، منها التخلف الاقتصادي. كان ذلك هو تقييم وثيقة الأمن الغذائي التي ستتم مناقشتها في اجتماع روما المشار إليه آنفا. تعليقا على ذلك، تقول "مارجريتا فلوريس"، أمينة لجنة منظمة "الفاو" المختصة بالأمن الغذائي: نحن نشعر بالكثير من القلق إزاء هذه الأرقام والحقائق. فإلى جانب الإحصاءات السكانية الدولية المعلومة اليوم، هناك زيادة سكانية سنوية تقدر بنحو 76 مليون نسمة، على عدد سكان العالم البالغ تعدداهم 6.2 مليار نسمة. وبحلول منتصف القرن الحالي، فربما يكون هناك 9 مليارات نسمة، يجب توفير الغذاء اللازم لهم.
أما جانب العرض الغذائي، فليس هو الآخر أقل إثارة للذعر والقلق، بل يفوق سوؤه ما عليه حال الطلب. فخلال السنوات الأربع الماضية، انخفضت محصولات القمح السنوية، عن متطلبات الاستهلاك عالميا، على حد قول "ليستر براون"، رئيس "معهد سياسات الأرض" وهو مؤسسة أبحاث أميركية، مقرها في واشنطن. ونتيجة لانخفاض إنتاج القمح عن حجم الطلب بدرجة كبيرة، فقد انخفضت بالتالي احتياطات الغذاء العالمي إلى ما يسد حاجة 9 أيام فحسب، وهو أدنى معدل انخفاض تشهده احتياطات الغذاء العالمية خلال الثلاثين سنة الماضية بأكملها. وبحسب تقديرات "الفاو" فإن الواجب هو أن يحتفظ العالم باحتياطي غذائي بعد كل حصاد محصول قمح، يكفي لسبعين يوما على الأقل، وإلا فإن هذا الاحتياطي سيكون مهزوزا وضعيفا جدا.
ولكن من حسن الحظ، أن محصول القمح لهذا العام، ارتفع إلى مستوى جيد، بسبب جودة الطقس في معظم المناطق المنتجة للقمح. إجمالا، فقد ارتفعت محاصيل القمح والذرة الشامية والأرز، بمعدل 20 إلى 30 في المئة، بينما تضاعف إنتاج العالم من محصول فول الصويا للعام الجاري نفسه. "لكن وعلى رغم هذه القفزة في حجم المحصول الغذائي العالمي، إلا أننا لن نتمكن من زيادة المخزون العالمي المطلوب سنويا-ما يكفي لمدة سبعين يوما- لكونه لم يزد على سد الحاجة والاستهلاك السنويين للعام نفسه" جاء ذلك على حد قول "ليستر براون" الذي ورد ذكره أعلاه. يستنتج من هذا، أنه وفيما لو حلت المحاصيل والمواسم الزراعية العادية، محل المواسم والمحاصيل الاستثنائية الممتازة، فإن الاحتياطي الغذائي العالمي، سيواجه وضعا في غاية الخطورة.
قبل نحو ثلاثين عاما مضت، كانت الصورة مشابهة كثيرا جدا، لما هي عليه اليوم. وكان "نادي روما" قد نشر كتابا بعنوان "حدود النمو"، نظر إلى العلاقة بين حجم ومعدل النمو السكاني، ومحدودية الأراضي الزراعية، ومن ثم علاقة الظاهرتين معا بتوسيع رقعة الجوع عالميا. ومع أن الكتاب لم يحدد تاريخا لحدوث هذا التوقع، إلا أنه فهم منه ضمنا، على أنه إنذار بقرب حلول خطر المجاعة. ولكن تم تفادي انتشار احتمال هذا الخطر، نتيجة لرفع معدل الإنتاج في مناطق إنتاج رئيسية، مثلما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية، التي جرى فيها تشجيع المزارعين على توسيع نطاق المساحات المزروعة، وكذلك في الصين، التي أسفرت فيها "الثورة الخضراء" عن إنتاج عدد متنوع ووافر من محصول القمح. وما هي إلا عشر سنوات، وكان العالم قد غرق في فائض من المحصول الغذائي، بدلا من نبوءة "نادي روما" عن نذر مجاعة عالمية مرتقبة. وكانت تلك النبوءة، قد وصفت حينها، على أنها ضرب من ضروب التشاؤمية الـ "المالت