أثناء مناظرته الأولى مع منافسه الديمقراطي جون كيري، ادعى الرئيس بوش، أن أفغانستان "الحرة" على حد تعبيره، تمثل إحدى قصص النجاح التي حققتها إدارته. ومضى بوش إلى القول إن عشرة ملايين ناخب أفغاني- نصفهم من النساء- قد سجلوا أسماءهم كناخبين في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في التاسع من أكتوبر الجاري. إلا أن الواقع يكذب هذا التفاؤل الذي يتحدث عنه بوش. ذلك أن المشكلة الأولى في أفغانستان هي شبه الافتقار التام للأمن خارج العاصمة كابول. فلا يزال الجزء الأعظم من البلاد، تحت سيطرة لوردات الحرب وتجار المخدرات. وتحت تأثير هذه السيطرة، تزداد رقعة المناطق التي أصبح محرما دخولها، بسبب الهجمات وعمليات العنف التي تستهدف القوات الأجنبية فيها. وحتى هذه اللحظة من العام الجاري، لقي أكثر من 90 شخصا مصرعهم هناك، جراء أعمال العنف والهجمات المسلحة. بل إن الانتخابات نفسها، تبدو مناسبة لقتل المزيد من الضحايا، بحكم تجمهر وتجمع الناخبين في المراكز الانتخابية أثناء الحملة.
من جانب آخر، فإن الجيش الوطني الأفغاني، من الضعف بمكان، بحيث يعجز عن بسط نفوذ وسلطة الحكومة المركزية، خارج حدود العاصمة كابول، سيما في المناطق الريفية البعيدة. وليس هناك ثمة أمل قريب، في رفع طاقة أفراده إلى 70 ألف جندي مسلح قبل حلول عام 2009. وفي الحزام "البشتوني" من أفغانستان، وهي المناطق الواقعة في الجنوب والجنوب الشرقي منها، تخوض القوات الأميركية، المزيد من المواجهات والمعارك، مع قوات "طالبان"، التي أعيد تنظيم صفوفها وتحسين أدائها العسكري مؤخرا، سيما بعد أن قوي عودها بدخول ومشاركة عناصر تنظيم "القاعدة" فيها. وبات معلوما أن هذا التحالف بين "القاعدة" و"طالبان"، يخوض حرب عصابات مشتركة، ضد السلطة المركزية في كابول وحلفائها الدوليين. وتهدف هذه الحرب، للتشويش على الحملة الانتخابية المرتقبة. تحقيقا لهذا الهدف، فقد هدد التحالف الناخبين بعدم المشاركة في الحملة الانتخابية، وإلا فإن عليهم أن يتحملوا وزر مشاركتهم. أما الهدف بعيد المدى لهذا التحالف "القاعدي- الطالباني"، فيتمثل في طرد القوات الأميركية من أفغانستان، مثلما طردت القوات السوفيتية من قبل. في هذا يقول المراقبون العارفون، إنه يصعب على الأفغان عموما، أن يحتملوا وجود قوات أجنبية على أراضيهم. بل ويعتقد بعض هؤلاء أنه سوف يكون في مقدور "طالبان" استعادة سلطتها ثانية، متى تحين اللحظة المناسبة لذلك، وربما تحت مسمى جديد. فهي على قناعة بأن إعادة تنصيب نظام إسلامي حاكم في كابول، هي أمر لا مناص منه. كما يلاحظ أن غالبية الأفغان، تبدي كثيرا من الاستياء والامتعاض، لوجود القوات الأجنبية فوق أراضي بلادهم. كما يظهر الجزء الغالب من الأفغان، عداء غير مخفي للأجانب. وخلال الفترة الممتدة من إسقاط نظام طالبان وحتى اليوم، لقي حوالي 100 جندي أميركي مصرعهم، بينما أصيب من بينهم حوالي 300 جندي، في هجمات متفرقة شنتها عليهم القوات "الإرهابية".
أما حلف "الناتو"، الذي تسلم قيادة "قوة المساعدة الأمنية الدولية"، فلا يزال بطيئا جدا، في بناء قوته، بحيث يبلغ عددها 10 آلاف مقاتل، حسب الهدف المحدد لذلك. كما يخطط "الناتو" أيضا، لإرسال ما يسمى بـ "فرق إعادة البناء المؤقتة"، التي ترمي إلى تمديد سلطة حكومة حامد قرضاي، إلى المناطق الريفية. إلا أن التقدم العملي في تنفيذ هذه الخطة، لا يزال بطيئا جدا. ومن الواضح أن الولايات المتحدة، تؤمل في أن يحقق حامد قرضاي، فوزا كبيرا في الحملة الانتخابية المقبلة. ومع أن منصب الرئاسة يمثل تهديدا مباشرا لحياته، على نحو ما رأينا في محاولة الاغتيال التي استهدفته في السادس عشر من شهر سبتمبر الماضي، إلا أنه أثبت أنه قائد شجاع وذكي. ولكن تظل نقطة ضعفه الرئيسية في أنه لم يكن طرفا في القتال الذي خاضه المجاهدون ضد الاحتلال السوفيتي، ولا في الحرب ضد "طالبان". علاوة على ذلك، فإن الكثيرين ينظرون إليه هناك، على أنه صنيعة أميركية، وأنه يعتمد عليها بالكامل من أجل ضمان بقائه في السطلة، والحفاظ على أمنه الشخصي أيضا.
وفيما عدا استثناءات نادرة جدا، فقد ظلت قبائل "البشتون" هي المسيطرة على مقاليد الحكم، طوال القرون الثلاثة الماضية. ومع أن حامد قرضاي نفسه من قبائل "البشتون"، إلا أن غيابه الطويل خارج أفغانستان، لم يجعل المواطنين ينظرون إليه على أنه ممثلا للقبائل نفسها. أما حكومته فتضم عددا محدودا من الكفاءات "البشتونية"، إلا أنه يسيطر عليها "الطاجيك" سيطرة واضحة. هذا التكوين، يجعل من الصعوبة بمكان، على حكومة أقلية كهذه، أن تستمر على المدى البعيد. ومن المؤكد أنها ستنهار سريعا، ما لم تكن لتحظى بالدعم الأمني الأميركي. فوق ذلك كله، فهناك مشكلة إنتاج وتصدير وتجارة المخدرات في أفغانستان، وهي مشكلة متفاقمة، ويتسع نطاقها وحجم تجارتها كل عام.
ففي عام 2001، أنتجت أفغانستان ما لا يتجاوز 180 طنا مكعبا من الأفيون، كان الجزء الغالب منه لأغراض التصدير. لكن وفي الع