يمكن ببساطة تعريف السمنة على أنها: حالة يتم فيها تخزين الطاقة داخل الجسد على شكل دهون، بمقدار أكبر بكثير من المستويات الطبيعية المعتادة، ولدرجة تجعل منها خطراً على الصحة العامة. هذا التعريف وغيره الكثير من التعريفات، تحاول جميعها أن تصف وتشرح طبيعة وخصائص السمنة، إلا أن الحقيقة هي أن السمنة مفهوماً صحياً وطبياً، يتغير تعريفه بشكل شبه دائم. هذا المفهوم الصحي، ومن خلال تعريفاته المختلفة، أصبح من الواضح حالياً أسبابه والعوامل المؤدية للإصابة بها. ويمكن أن نلخص هنا الأسباب والعوامل المتفق عليها في الأوساط الطبية، وهي: 1- العوامل الوراثية الجينية. 2- تناول طعام غني بالطاقة والسعرات الحرارية. 3- قلة الحركة والنشاط البدني والرياضي. 4- الإصابة ببعض الأمراض والعلل. 5- وجود اضطراب نفسي-غذائي. 6- التوتر والقلق الدائمين، وهو سبب محل خلاف وجدل. ورغم تحديد ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى السمنة، فلا زال الأطباء عاجزين عن تقديم تفسير مقبول لوباء السمنة، الذي ينتشر حالياً في أرجاء العالم انتشار النار في الهشيم. فمثلاً تشير الإحصائيات والدراسات في الولايات المتحدة إلى أن 61 في المئة من الأميركيين البالغين إما إن أوزانهم تزيد على المعدلات الصحية أو أنهم مصابون بالسمنة بشكل واضح. وتشير تلك الإحصائيات نفسها إلى أن السمنة كمشكلة صحية، تكلف الاقتصاد الأميركي حوالي 117 مليون دولار سنوياً. حيث ينفق الأميركيون واحداً من كل عشرة دولارات من ميزانية الصحة العامة، على علاج الأمراض الناتجة عن السمنة. وفي بريطانيا تشير الدراسات إلى أن عدد المصابين بالسمنة بين البريطانيين، قد تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1982، مما جعل نسبة البريطانيين ذوي الوزن الزائد تقارب الأربعين في المئة من مجموع السكان. أما على مستوى العالم فيبلغ حالياً عدد المصابين بالسمنة حوالي مليار شخص، وهو ما يسبب ضغطاً هائلاً على خدمات الرعاية الصحية حول العالم، ويتسبب في أرقام رهيبة من العجز والوفيات.
هذا الوضع لا يمكن تفسيره ببساطة على أنه علاقة سبب ونتيجة، بل يتطلب منا أن نغوص بشكل أعمق في تاريخ تطور الجنس البشري، والتغيرات الإنسانية الاجتماعية التي طرأت على الفرد والمجتمع، لدرجة غيرت تقريباً من التركيب التشريحي لأفراد جنسنا. وبالفعل تطرح نظرية -أو بالأحرى فرضية التطور- أفضل الشروح وأكثرها قبولاً لتفسير وباء السمنة الحالي. هذه الفرضية ترى أن الإنسان، وخلال تطوره البيولوجي، احتفظ بجينات وراثية تعينه على تخزين أكبر قدر من الغذاء والطاقة بين خلايا وأنسجة جسده، ليستخدمها في أوقات الشتاء ونقص الغذاء. هذه الفرضية مبنية على حقيقة أن الإنسان في رحلة تطوره، كان يحتفظ بالجينات التي تساعده على البقاء ويتخلص من الجينات التي لا تحقق هذا الغرض. أو بشكل أدق، تمكن الأفراد المتمتعين بجينات معينة من البقاء أحياء وتمرير جيناتهم تلك إلى ذريتهم وأحفادهم. بينما فشل الأفراد الذين لا توجد لديهم مثل تلك الجينات من البقاء، وبالتالي عجزوا عن تمرير صفاتهم الوراثية من خلال التكاثر والإنجاب. هذه النظرية، التي يطلق عليها الانتقاء أو الاختيار الطبيعي، ربما كانت هي أفضل تفسير لانتشار السمنة حالياً بين أفراد الجنس البشري. ففي الوقت الذي نجحت فيه الجينات المعنية بتخزين الطاقة في شكل دهون في إنقاذ حياتهم في وقت مضى، انقلب الوضع رأساً على عقب في الحياة الحديثة التي أصبح فيها الطعام متوفراً بشكل غزير. هذا التوفر الهائل للغذاء على الصعيد الزماني والمكاني، والمصاحب بتراجع مقارن في حجم الحركة اليومية وكمية النشاط البدني اللذين يبذلهما الإنسان حالياً، جعلت الجينات المسؤولة عن تخزين الطاقة عدواً لنا، بعد دهور طويلة مكنت فيها أسلافنا من البقاء.
ولكن لا يمكن أن نلقي باللوم ببساطة على جيناتنا الوراثية، فتلك الجينات لم يكن لها أن تفعل ما تفعله لو لم نتناول أطعمة عالية في السعرات الحرارية، ونركن في نفس الوقت إلى حياة صفتها الكسل والتقاعس عن النشاط البدني مهما كان نوعه. هذه المسؤولية الفردية عن الإصابة بالسمنة، بغض النظر عن الجزء الوراثي، شرحها بالتفصيل الطبيب الأميركي "جول فيرمان" (Joel Furhman) في كتابه الشهير بعنوان (Eat to Live) الذي يمكن ترجمته إلى "الطعام من أجل الحياة". في هذا الكتاب الشيق المنشور عام 2003، يطرح "فيرمان" فكرة الكثافة الغذائية (nutrient density)، التي يمكن التعبير عنها في شكل معادلة حسابية هي: الصحة = المغذيات مقسومة على السعرات الحرارية. وهو ما يعني أنه لغرض الحصول على أكبر قدر من الصحة، فيجب أن نزيد قدر الإمكان من المغذيات وأن نقلل قدر الإمكان من السعرات. ويؤمن "فيرمان" بأن إنسان العصر الحالي يقوم بالعكس تماماً، حيث زاد بشكل واضح من كمية الطعام العالي القيمة في السعرات الحرارية في طعامه اليومي، بينما قلل بشكل خطير من المغذيات الهامة. وهو بالتالي ما نتج عنه مجتمع يحتوي جسمه على مخزون ضخم من الطاقة -في شكل دهون- في