لقد دفعني سعيي لمساعدة جورج بوش في العثور على أسامة بن لادن إلى أفغانستان، حيث أثرت غضب الأهالي المحليين، برفعي برقع كل امرأة طويلة أشك فيها وإرغامها على كشف وجهها. غير أن هذا كله لم يثمر الحصول على ما ابتغيه. بل لا يوجد ولا مجرد أثر واحد يدل على وجود أسامة بن لادن. ولكنني أرى فعلا أفغانستان واعدة في شقها الشمالي، ومتصدعة جدا في جزئها الريفي الجنوبي. والحصيلة المرتقبة من هذا الجزء، المزيد من المخدرات والإرهاب وجثث الجنود الأميركيين المعادة إلى موطنها. فبعد الحرب مباشرة، كان في وسع أي أميركي أن يسافر أينما شاء في أفغانستان. أما اليوم، فإن الجزء الغالب من الجنوب الأفغاني تحول إلى حقول للموت. وقبل أن يزعم الرئيس بوش أن أفغانستان تمثل قصة نجاح باهر، فإن عليه أن يستمع أولا إلى نعمة الله وهو زعيم قبلي أفغاني من محافظة زابول، التي تعد واحدة من أكثر المحافظات الأفغانية خطرا. يقول نعمة الله: في البدء كان الناس على درجة كبيرة من التفاؤل، وظنوا أن أميركا ستقدم لهم يد العون. وكانت الحكومة الأفغانية الجديدة قد وعدت الناس ببناء المدارس الجديدة، وبنشر المرافق الأمنية في الريف، وكذلك العيادات الطبية ومضخات المياه، وغيرها. لكنها لم تفعل أيا من هذه الأشياء. ولذلك، فقد ساد الإحباط بين المواطنين. بالمقارنة فقد كان أبسط ما تفعله حكومة طالبان أنها ترصف الطرق، وتبني المدارس، خلافا لهذه الحكومة الجديدة التي لا تفعل شيئا سوى الكلام. وإذا ما استمر الأداء الأميركي على ذات المنوال، فإنه حتما سوف يجيء اليوم الذي سأحمل فيه بندقيتي وأحارب الأميركيين.
في الحقيقة فإن فشلنا في الجنوب الأفغاني يعد مأساويا، لسبب بسيط، هو أنه لا وجود لما يبرره على الإطلاق. وهناك الكثير مما يثبت أنه في الإمكان إنجاز تحولات باهرة في الجزء الجنوبي الريفي من البلاد، فيما إذا بذلنا من الجهد، ما يمكننا من كسب السلام، مثلما خططنا للفوز بالحرب.
أحد أبرز مظاهر الازدهار الاقتصادي في العاصمة كابول، على سبيل المثال، مهنة حلاقة الشعر في الطريق العام الأفغاني. فقبل ثلاث سنوات، كنت قد حلقت شعري عند أحد حلاقي الشارع، وكان قد استخدم مقصا باليا وصدئا، وحاسبني بما يعادل في العملة الأفغانية، سبعة سنتات أميركية. أما هذه المرة، فقد حلقت شعري ثانية عند أحدهم. ولكنه استخدم مقصا وأدوات حلاقة نظيفة جديدة، واستطاع أن يبل شعري قبل قصه. كانت هذه الخدمات المتطورة بثمنها بالطبع، إذ كان السعر هذه المرة ما يعادل 38 سنتا. وفي إمكان هذه الطفرة أن تتحقق على امتداد منطقة آسيا الوسطى بكاملها، وفي كافة أوجه النشاط الاقتصادي، إذا ما وفر الرئيس بوش للأفغان ما يكفي من الأمن والمساعدات الاقتصادية في عملية إعادة البناء.
بدلا من ذلك، فقد انصرف اهتمام الرئيس بوش وجهوده إلى العراق. في مقال نشر لي مؤخرا، كنت قد أجريت مقارنة بين الرئيس بوش والملك هنري الرابع، الذي وصفه شكسبير باعتباره أعظم شخصية حربية إنجليزية. ومن فرط اهتمام هذا الملك بتوطيد وتثبيت أركان النصر العسكري الذي حققه على الفرنسيين، فقد أقدم على الزواج من أميرة فرنسية، من العائلة الملكية الفرنسية. ولست مطالبا الرئيس بوش بالمضي بعيدا إلى ذلك الحد بالطبع ( مع أنه سوف يسر الأفغان كثيرا، فيما لو اتخذ الرئيس الأميركي من إحدى الفتيات الأفغانيات زوجة ثانية له)، غير أن لمتابعة ما تم تحقيقه، أهمية كبيرة لإعطاء معنى للمبادرة الأميركية كلها إزاء أفغانستان. تأكيدا لذلك، أورد فيما يلي تعليقا للسيد بول باركر رئيس منظمة "كير " في أفغانستان جاء فيه: إن أسوأ ما لم نفعله بعد، أننا لم نتصد بما يكفي للمشكلات الأمنية التي تلقي بتأثيراتها السالبة والمباشرة على حياة كل مواطن أفغاني عادي. كما أننا لا نزال نفتقر لاستراتيجية متماسكة للتصدي للمشكلات المرتبطة بتجارة المخدرات هنا. واستطرد باركر قائلا إنه وعلى رغم أن الأوضاع في أفغانستان، تبدو أفضل مما هي عليه الحال في العراق كثيرا، إلا أن أفغانستان نفسها، لا تزال بعيدة جدا عن أن تسمى قصة نجاح باهر، على النحو الذي يتحدث عنه الرئيس بوش. من جانبه يعترف حاج محمد أيوب، نائب رئيس الشرطة في محافظة هيملاند بأن الأوضاع الأمنية قد ساءت في طول البلاد وعرضها. لكنه يعزي سوء الأوضاع الأمنية هذه، لممارسات الفساد المستشرية في أفغانستان. وذكر حاج محمد أن اثنين من المتهمين بارتكاب جرائم قتل، دفعا مبلغ 8 آلاف دولار أميركي لأحد مسؤولي السجن، فأطلق سراحهما ليواصلا ارتكابهما للجريمة. وفي حديث آخر، كان أحد المسؤولين الحكوميين من محافظة أرزوجان، أكثر وضوحا بقوله: لقد أصبحت طالبان أكثر قوة وأشد شكيمة من أي وقت مضى اليوم. مقابل هذا، يؤكد الأميركيون والحكومة الأفغانية المؤقتة أن الأمور ستمضي نحو الأفضل، بينما هي تمضي نحو الأسوأ في الحقيقة. ولذلك، فقد التفت المواطنون مجددا إلى طالبان.
لكن وعلى الرغم من ذلك، فإنني لا أزال متفائلا بمستقبل الشمال الأفغاني