تمثل الانتخابات المقبلة في نوفمبر فرصة إضافية للعرب الأميركيين لمناقشة الاختيارات المفتوحة أمامهم في المجتمع الأميركي أو الاستراتيجية العامة الأنسب لمصالحهم. فهم لا زالوا يعيشون مرحلة تأسيس حضورهم السياسي في الولايات المتحدة بعد أن أصبح لهم وجود مادي لا بأس به وبعد أن أوقظتهم الصدمات المتكررة على ضرورة الفعل السياسى باعتبارهم عربا في نظر الأكثرية ومسلمين في نظر الحركة الاسلامية البازغة في أميركا. وهم يقومون بمهمة التأسيس هذه في سياق تعرضهم للتحديات الناشئة عن أحداث 11 سبتمبر وما يسمى بالحرب ضد الارهاب والتي تنزلق تدريجيا الى نوع من الحروب أو الصراعات الدينية والثقافية التي تضعهم محل شك كبير بين الأميركيين من أصول غربية. ومن الطريف أن المعهد العربي قد استجاب لهذه الشكوك بحملة تقول لمواطنيهم الأميركيين "العرب الأميركيون هم أناس مثلنا" وكأنهم يواجهون شكوكا حول تلك الحقيقة البسيطة. ويضاف لذلك أن جملة من الظروف الأخرى فرضت على العرب الأميركيين معطيات مسبقة ولا يمكن الاستهانة بها عند محاولة الإجابة على الأسئلة الكبرى المرتبطة بقضية الحضور السياسي في الساحة الأميركية. فتمزقهم بين بلاد عربية مختلفة، وطبيعة الاستعدادات التي جاءوا بها من بلادهم وعكست خبراتهم النوعية وخاصة جهة الدين والطائفة والطبقة، والعدائيات التي فرضت نفسها عليهم وخاصة من جانب الحركة الصهيونية الأميركية فضلا عن أن قضية الأجيال جعلت من الصعب الحديث عن استراتيجية واحدة أو حتى تعريف متفق عليه للذات. وقد يتحتم علينا حصر المناقشة حول الاستراتيجية المناسبة لتأسيس حضور سياسي بين هؤلاء الذين يرون أنفسهم عربا أميركيين أو أميركيين عربا أو من يمارسون السياسة ضمنا من هذا المنظور.
وبطبيعة الحال فإن الاستراتيجية العامة لم تكن موضوعا للاختيار أو الصياغة المنطقية. فأحداث 11 سبتمبر والهجوم العاصف على الحقوق المدنية للمسلمين فرضا استراتيجية دفاعية تلزم العرب الأميركيين بالوصول الى كل القوى التي تستطيع مساعدتهم في الدفاع عن الحقوق المدنية ومكافحة التمييز. وكان من الطبيعي أن تمتد جسور أكثر قوة مع الحركات المنظمة للحقوق المدنية ومع بعض الأقليات أو الشخصيات التي تعبر عن المعاناة الخاصة لهذه الأقليات والتي قد تكون مشابهة لما يتعرض له العرب الأميركيون الآن مثل الأقلية اليابانية وبالطبع الأقلية الأفروأميركية. ولكن شدة الصراع حول القضية الفلسطينية والقوة الخارقة للحركة الصهيونية الأميركية لعبتا في تقديري الدور الأكبر في فرض ملامح محددة على الأداء السياسي للعرب الأميركيين وخاصة في ظل الصعود الكاسح لليمين المسيحي الجديد. فقد اضطر قطاع متزايد من العرب الأميركيين وخاصة من الأجيال الشابة لنفض اليد من "سياسات الأقليات" كأسلوب لبناء الحضور السياسي وأخذوا في تطبيق استراتيجية بديلة تقوم على النضال الايديولوجي الثوري. وتتمثل هذه الاستراتيجية فى بناء التحالفات مع القطاع الأكثر راديكالية من المجتمع السياسي الأميركي والمستعد لتبني القضايا العربية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أجندته ومقترباته النضالية العامة أو الكونية مثل النضال ضد العولمة أو ضد الحرب أو ضد الرأسمالية أو ضد هذا الثلاثى جميعا كما ترجمه تحالف "أنسر".
لقد كانت استراتيجية التحالف هذه هي الأكثر جاذبية من وجهة نظر الأجيال الشابة في أميركا أو في العالم العربي ذاته. فهي اتسمت بطابع كفاحي ومعاد للامبريالية الأميركية وهو ما بدا استمرارا منطقيا للمشاعر المعادية للأميركيين التي تكتسح الوطن العربي. وازداد الاعجاب بهذه الاستراتيجية نظرا للنضال العظيم والجهود الخارقة التي بذلتها لوقف الحرب على العراق وإجهاضها. كما أن تلك الاستراتيجية مدت اليد لجميع الشعوب وبدت كإطار مناسب للغاية لبناء تحالفات عالمية وغير محصورة في الساحة الأميركية وحدها. كما أن الاستمرارية الفذة لهذه الاستراتيجية وكونها تحولت الى أجندة يومية يمارسها مجتمع مدني عالمي كبير ويعمل على نطاق كوني عزز جاذبيتها مقابل "سياسات الأقليات" التقليدية التي انتهجتها المنظمات الكبيرة للأميركيين العرب مثل المعهد العربي أو اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز. والواقع أن استراتيجية النضال المدني الثورى ضد الامبريالية الأميركية انتزعت زمام المبادرة حتى أن جمهور المنظمات التقليدية للأميركيين العرب انشد هو ذاته لها، فشارك في المظاهرات والمسيرات الكبيرة التي نظمها تحالف "أنسر" طوال عامي 2003 و2004. ويعود ذلك الى أن استراتيجية سياسات الاقليات لم تحقق الشيء الكثير للأميركيين العرب.
فالتصويت العربي يفقد جانبا كبيرا من قيمته لأسباب كثيرة. فالروايات الرسمية بصدد المكاسب التي حصل عليها أو كان يمكن أن يحصل عليها العرب الأميركيون من هذه الاستراتيجية لم تعد لها مصداقية كبيرة. ومن هذه الروايات أن الرئيس بوش كان في طريقه لتطبيق "الصفقة" التي عقدت معه أثناء ترشحه للرئاسة وإلغاء قانون الأدلة السرية لولا أ