ما وجد المتحدثون الفلسطينيون والعرب في الذكرى الرابعة للانتفاضة ما يمكن ذكره لها غير أمرين اثنين: إنها حالت دون تمكُّن شارون من إخضاع الفلسطينيين، وإنها أبْقت على حُلُم الدولة المستقلة والقابلة للحياة. وأضاف آخرون فضيلةً ثالثةً مؤداها أنها رفعت خسائر الإسرائيليين إلى حوالي الثلث من خسائر الفلسطينيين في القتلى والجرحى والمصابين. أما الناقدون والمراجعون، ومن بينهم رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع، فقد تحدثوا عن ضرورات إعادة النظر فيما كان وسيكون، ومن ضمن ذلك ما سمَّوه بالفوضى. والفوضى آتيةٌ من مصدرين: بروز قوة حماس بحيث صارت مقارِنةً لقوة منظمة التحرير أوفتح والسلطة، دونما تنسيقٍ بينهما-وانقسام السلطة الفلسطينية على نفسها أو الانقسام بين العسكريين والمدنيين. ومن غير المعروف الآن من الذي يسيطر على كتائب الأقصى، القيادة العليا(عرفات ومعاونوه)، أم القادة الميدانيون في المدن والضواحي؟.مروان البرغوثي القائد السابق لقوات كتائب الأقصى في الضفة الغربية، اعتبر من سجنه بإسرائيل أنّ الأمل يبقى في كتائب الأقصى لأنها هي قناة أو بيئة الاتصال بالجماهير الفلسطينية.
والواقع أنّ هناك فريقين، فريق المراجعين من أجل تحسين شروط استمرار الانتفاضة أو المقاومة، وفريق الناقدين الجذريين، الذين يرون أنّ الانتفاضة المسلَّحة كانت خطأً من الأساس، ولذلك ينبغي أن تنتهي الآن، وإن لم تترتب على ذلك نتائج كبيرةٌ لفوات الأوان على كل شيء. الفريق الأول، فريق المراجعة المعتدلة، وهؤلاء-وهم الأكثرية-يعتبرون أنّ الانتفاضة مرت بمرحلتين، مرحلة الانتفاضة السلمية بعد زيارة شارون للحرم، ومرحلة التحول لاستخدام السلاح وصولاً للهجمات الانتحارية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وفي المرحلة الثانية بالذات يرى هؤلاء أنَّ خللاً كبيراً قد حدث، إذ لم تقرأ السلطة الفلسطينية ولم تقرأ حماس، التأثيرات المحتملة لأحداث سبتمبر على منطقة الشرق الأوسط، وعلى القضية الفلسطينية. فقد شنت الولايات المتحدة-يعاونها العالم كله-حرباً لا هوادة فيها على التطرف الإسلامي تحت اسم "الحرب على الإرهاب". وصار شعار تحريم الهجوم على المدنيين مقدَّساً في سائر أنحاء المعمورة. وقد كان الفلسطينيون، أو السلطة الفلسطينية أمام أحد خيارين: إمّا إيقاف الانتفاضة مؤقتاً لتأمل ما يجري ومحاولة التلاؤم معه-أو التخلّي الحاسم عن العنف أو الهجمات الانتحارية على الأقلّ. وما كان منتظراً أن تقبل السلطة الفلسطينية إيقاف الانتفاضة، وقد كانت قادرةً على ذلك وقتها لأنها ما كانت قد حققت شيئاً من أهدافها. والسلطة تقول إنّ الهدف كان إعادة الحكومة الإسرائيلية إلى طاولة المفاوضات بعد أن تعطلت بفشل الاجتماعات بأميركا وطابا. لكن غير المفهوم بالنسبة لهذا الفريق من المراجعين، أنّ السلطة ما نظرت جدياً في الخيار الثاني: تخفيض درجة العنف والعودة للإضرابات والتظاهرات السلمية، وتنظيم أعمال احتجاجٍ يومية ونوعية. بل الذي حدث العكس: اندفاع حماس إلى العمليات المسلَّحة التي سمَّوها نوعية، و ندفاع كتائب الأقصى وراءها في عملياتٍ مماثلة. وعندما صارت عمليات "حرب العصابات" متعذّرة بسبب قسوة الاجتياحات الإسرائيلية والهجمات بالطائرات، بدأت الضربات الانتحارية التي أوصلت الموقف إلى ما هو عليه منذ أكثر من عام.
والأمر الآخرُ الذي يأخذه هؤلاء المراجعون على السلطة الفلسطينية بالذات: عدم اهتمامها بأفعال وردود أفعال الإسرائيليين خلال العامين 2003و2004. ففي مواجهة الهجمات الانتحارية تصاعدت تكتيكات إسرائيل للأرض المحروقة، وبدأ العمل على جدار العزل أو الجدار الفاصل. وما كانت تحركات السلطة الفلسطينية ملائمةً ولا كافيةً لجهة ردود الفعل الداخلية، وجهة التحرك العربي والدولي. والمقصود برد الفعل الداخلي الاستجابة للتحدي الإسرائيلي بإيقاف الهجمات الانتحارية. وعندما تواصل العرب والأوروبيون مع السلطة الفلسطينية وحماس لإيقاف العمليات الانتحارية، ما كان هناك تجاوُبٌ سريع مع العلم أنه عندما حدث، أي التجاوب، لعدة أسابيع، ما تراجع شارون، وما أمكن للسلطة الفلسيطينية أن تشير إلى أي نجاحٍ معه بحيث يستمرُّ وقف المقاومة أو على الأقل الهجمات بالداخل الإسرائيلي. بيد أنّ الناقدين أنفسهم يسيرون إلى أنه على مشارف العام 2003 أو أواسطه كانت السلطة الفلسطينية قد صارت تحت الحصار تماماً، وكانت قدراتها على الضبط والربط الداخلي قد صارت محدودة. وانقطعت علائقها بحماس، في حين اضطربت صِلاتُها بكتائب الأقصى في الضفة بعد أسر البرغوثي، كما انقطعت لفترة بالكتائب في غزة. وهذا معنى شكوى بعض قادة الكتائب أنّ عرفات ترك المقاومة تعيش في ظروفٍ بائسة.
وهناك النقد الآخرُ الراديكالي، الذي رأى منذ العام2000-2001 أنه ما كان هناك داعٍ قويٌّ للانتفاضة الثانية، وأنه مهما كان الداعي؛ فإنها كانت يجب أن تتوقف تماماً بعد أحداث11 سبتمبر. وهذا الفريق، وأتباعُهُ قلةٌ من العرب والأوروبيين يرون أنّ العملية السلمية الت