إثر تصدي كارل روف مؤخراً لقضايا السياسة الخارجية الأميركية، حدث تحول في السياسات المتبعة في العراق، في نهاية الأسبوع الماضي، نحو ما من شأنه قطع الطريق أمام المنافس الديمقراطي جون كيري. وفيما يبدو، فإن الحكومة الفرنسية وحدها هي التي التقطت رؤية روف، من خلال ردود أفعالها المعلنة إزاء الاقتراح الذي تقدمت به الإدارة الأميركية بعقد مؤتمر دولي حول العراق. ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة قد صبت ماءً بارداً على النار التي أشعلها كيري. كان هذا الأخير قد انتقد تفاؤل إدارة بوش غير المبرر بشأن مستقبل العراق، ضمن الهجوم الواسع الذي كان قد شنه كيري على السياسة الخارجية لإدارة بوش إجمالا في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي. ووعد كيري بعقد مؤتمر دولي، يهدف إلى استقطاب الدعم الدولي لجهود الولايات المتحدة الأميركية في العراق، علاوة على إرسال قوة أميركية قوامها 40 ألف جندي من المجندين الجدد، لقتال المتمردين والمساعدة في عودة الاستقرار للبلاد. كما وعد كيري بأن تخطط إدارته لبدء عودة القوات الأميركية الموجودة حالياً في العراق، بحلول الصيف المقبل، على أن تستكمل عودة كافة الجنود الأميركيين بنهاية دورة رئاسته، خلال أربع سنوات من نهاية العام الجاري.
في تلك الأثناء كان كارل روف قد تصدى لشؤون السياسة الخارجية، بعد أن أعلن كولن باول يوم الأحد الماضي، أن الأمور تمضي نحو الأسوأ في العراق. في الوقت ذاته، قال القائد العام للقوات الأميركية في العراق، إنه يتوقع المزيد من أعمال العنف، قبل حلول شهر يناير المقبل، بهدف عرقلة الانتخابات العامة المفترض إجراؤها في ذلك الموعد. أما دونالد رامسفيلد، فقد كان من رأيه ألا شيء مثالياً وكاملاً في الحياة، وأنه في الإمكان إجراء الانتخابات في المناطق العراقية التي تسمح الظروف الأمنية فيها بإجراء الانتخابات. كما أضاف رامسفيلد قائلا إنه ليس بالضرورة أن يطول أمد وجود الجنود الأميركيين حتى يتحقق الاستقرار التام في العراق، قبل عودتهم إلى بلادهم.
وهنا ارتفعت دعوة الرئيس بوش إلى عقد مؤتمر دولي حول العراق، ربما في الشهر المقبل- ولحسن الحظ والصدف، فإن انعقاد هذا المؤتمر سيسبق حملة الاقتراع الأميركية بشهر واحد فحسب أو أقل من ذلك-. ومن المقرر للمؤتمر، أن يستقطب الدعم الدولي للولايات المتحدة، ويقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية في العراق. ومن المتوقع أن تدعى كل من سوريا وإيران والأردن لحضور المؤتمر، إلى جانب بعض ممثلي المنشقين العراقيين، و الدول الديمقراطية الكبرى حول العالم. ولكن الملاحظ أن الأجندة الحقيقية لكلا المرشحين الرئاسيين، عشية المناظرة الرئاسية التي ستعقد بينهما هي:
من جانب الرئيس بوش: الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي حول العراق، بحيث يحضره الحلفاء الأوروبيون والمنشقون العراقيون، يدعو إلى عودة الجنود الأميركيين بأسرع ما يمكن، إلى جانب الاعتراف بوجود مصاعب كبيرة تحيط عملية استقرار العراق. ومع ذلك، فإن نقل السيادة للعراقيين، مدعومة بالخطوة المرتقبة عقب إجراء الانتخابات العامة في شهر يناير المقبل، سيؤمن للعراقيين تولي إدارة بلادهم بأنفسهم قريباً.
ومن جانب المرشح الديمقراطي كيري: الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول العراق، في وقت ما من العام المقبل، والسعي لأن يحمل الجنود الأوروبيون وغيرهم من الحلفاء العبء عن الجنود الأميركيين (وهو حلم يكاد الجميع يعلم مدى مثاليته)، وبذل مساع جديدة تهدف إلى تدويل مهمة إعادة بناء العراق، وتدريب قوات الأمن العراقية، وبدء عودة الجنود الأميركيين إلى بلادهم اعتباراً من الصيف المقبل، وأخيراً الأمل في عودة جميع الجنود الأميركيين بحلول عام 2009، وهو موعد نهاية دورة كيري.
هذا وقد جاء رد الفعل الإيجابي على اقتراح كارل روف، ليس من جانب جون كيري وفريقه، وإنما من وزارة الخارجية الفرنسية، التي وصفت فكرة عقد المؤتمر الدولي حول العراق، بأنها فكرة رائعة. غير أنها اشترطت لذلك المؤتمر شروطاً هي أن تشمل أجندته انسحاب القوات الأميركية من العراق، ومعها كافة القوات الأجنبية الموجودة حالياً. كما اشترطت أيضاً، دعوة المنشقين والمعارضين العراقيين، إضافة إلى حكومات المنطقة المحيطة بالعراق.
ويلاحظ أن معسكر كيري ليس في وسعه الدعوة إلى ما دعا إليه الفرنسيون، لكونه وفريقه لا يختلفان كثيراً مع معسكر بوش، الذي يتبنى سياسة الوجود الاستراتيجي الأميركي في العراق. وبالطبع فهي السياسة التي يعترض عليها الجزء الغالب من العالم الإسلامي بغضب بالغ. أما بقية دول العالم الأخرى، فتبدي حيالها الكثير من الريبة والشك. ومن جانب الناخبين الأميركيين، فإن لديهم شعوراً بأنه يجب فعل شيء أفضل من العناد الرئاسي وإصرار الإدارة الحالية على حرب، من الواضح أنها لم تحقق شيئاً سوى الفشل حتى الآن. لكن وبما أن كيري لم يقدم حتى هذه اللحظة، رؤية تختلف كثيراً عن تلك التي يحملها الرئيس بوش، فإن ذلك يعني أنه لم يمض أية خطوة فيما يتصل بالمعضلة العراقية