شهد الأسبوع الماضي ارتفاع نبرة كل فريق سياسي في مصر فيما يمكن اعتباره محاولة من جميع التيارات السياسية المصرية لتسجيل المطالب وتحديد رؤاها للإصلاح بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الحزب الحاكم. ولا شك أن الحصاد النهائي لهذا الجدل تمثل في تأكيد أن مصر قد دخلت بالفعل عصر الجدل السياسي الداخلي الديمقراطي الحر دون حجر على سقف الأفكار والأطروحات. وعلى الرغم من هذه الحقيقة الإيجابية إلا أن أحزاب المعارضة والحركات الشعبية التي أسستها قوى المجتمع المدني مثل الحركة المصرية من أجل التغيير والحركة الشعبية للتغيير قد أبدت في تعليقاتها على برامج الإصلاح التي طرحها الحزب الحاكم، إحساساً بخيبة الأمل تجاه السقف الذي حدده الحزب لبرامج الإصلاح في هذه المرحلة. ولو راجعنا أطروحات الحزب الحاكم وقمنا بمقارنتها بأطروحات تجمع أحزاب المعارضة الرئيسية التي شكلت أمانة مشتركة فيما بينها وكذلك بأطروحات حركتي المجتمع المدني، لاكتشفنا فجوة واسعة فاصلة بين رؤية الحكم من جانب وأحزاب المعارضة والمجتمع المدني من جانب آخر. ورغم هذه الفجوة في رؤى الإصلاح فإن التأكيد مرة أخرى على الحقيقة الإيجابية، وهي دخول مصر عصر الجدل السياسي الحر دون قيود، يبدو ضرورياً وخاصة أن أمين السياسات في الحزب الحاكم وهو جمال مبارك قد دعا الدولة والسلطة الحاكمة إلى تقبل هذه الحقيقة والتعايش معها كجزء من الحياة السياسية الجديدة في مصر، وذلك في لقاء عقده مع السفراء الأجانب في القاهرة. إن النظرة المقارنة لما توصل إليه مؤتمر الحزب الحاكم من برامج الإصلاح مع رؤى الإصلاح الأخرى تبين لنا ما يلي:
أولاً: إن سقف المطالب التي طرحتها أحزاب المعارضة هو سقف مرتفع يستهدف تغيير بنية النظام السياسي في مصر. ذلك أنه في يوم الثلاثاء الموافق 21/9/2004، وهو يوم افتتاح مؤتمر الحزب الحاكم، عقدت أمانة الوفاق الوطني لأحزاب المعارضة مؤتمراً أعلنت فيه مجموعة مطالب راديكالية تمثلت في تعديل الدستور المصري الحالي لإلغاء الطريقة القائمة لاختيار رئيس الجمهورية، وهي طريقة اختياره عن طريق ثلثي أعضاء البرلمان ثم طرح اسم المرشح الوحيد للاستفتاء الشعبي، بينما تطالب أحزاب المعارضة باختيار الرئيس بالانتخاب الحر المباشر من جانب الناخبين من بين مرشحين عديدين. كذلك استهدفت المعارضة بمطلب تعديل الدستور تقليص سلطات رئيس الجمهورية وسيطرته طبقاً لمواد الدستور الحالي على السلطة التنفيذية والقضائية والتحول إلى نظام جمهوري برلماني يكون فيه رئيس الوزراء صاحب سلطات تنفيذية مهمة ويكون مسؤولاً أمام البرلمان. كذلك طالبت أمانة أحزاب المعارضة بتدعيم سلطات البرلمان ليتحول إلى سلطة رقابة فعلية ومحاسبة للحكومة ووزرائها وسحب الثقة منها في حالة التقصير. وبالإضافة إلى ذلك طالبت المعارضة بإنشاء هيئة عليا تدير الانتخابات كهيئة قضائية مستقلة بديلة للهيئة الحكومية الحالية. كذلك طالبت المعارضة بإطلاق حرية تكوين الأحزاب وإطلاق حرية إصدار الصحف ووسائل الإعلام وتحرير الصحف والتلفزيون الخاضعين لسيطرة الحكومة وإخضاعها بدلاً من ذلك إلى هيئة وطنية مستقلة عن الحكومة، وكذلك إنهاء حالة الطوارئ. ومن الواضح أن هذه المطالب تجسد طموحات الحد الأقصى للإصلاح في مصر لما تنطوي عليه من تغيير لبنية النظام السياسي القائم.
ثانياً: لوحظ أن مطالب حركتي المجتمع المدني المشكلتين من مجموعات من المثقفين بعيداً عن أحزاب المعارضة والحزب الحاكم على حد سواء، تصب في نفس اتجاه الحد الأقصى. كما لوحظ أن الحركة الشعبية للتغيير حرصت على عقد مؤتمرها في نفس يوم انعقاد مؤتمر الحزب الحاكم، وكذلك الحركة المصرية من أجل التغيير التي انعقدت بعد ذلك بيوم واحد. وقد أضافت هاتان الحركتان آلية جديدة للتحرك من شقين، الأول تشكيل لجنة وطنية مستقلة لوضع دستور جديد وتشكيل وفد من المثقفين لحمل المطالب الشعبية إلى رئيس الجمهورية وعرضها على سيادته وعدم الاكتفاء بطرح المطالب عن بعد.
ثالثاً: لوحظ أن المؤتمر الذي عقده الحزب الحاكم قد ركز بدوره على قضية الإصلاح ووضع شعار للعمل يشير إلى التجديد الفكري وبحث بدائل الإصلاح، وهو شعار"الفكر الجديد وأولوية الإصلاح". إن ذلك يعني أن الحزب الحاكم لم يحاول تجنب قضية الإصلاح والحاجة المجتمعية إليه، وهو ما يمثل نقطة تلاق من حيث المبدأ بين الحكم من جانب والمعارضة والمجتمع المدني من جانب ثان.
رابعا: جاءت أولويات الإصلاح في برنامج الحزب الحاكم مختلفة عن المطروح من جانب المعارضة والمجتمع المدني. فقد وضع مؤتمر الحزب الوطني الإصلاح الاقتصادي في مقدمة الأولويات على عكس المعارضة والمجتمع المدني التي اعتبرت أن الإصلاح السياسي الديمقراطي هو قاطرة عربات الإصلاح كلها سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية. ومن هنا ركز الحزب الحاكم على قضايا الإصلاح الجمركي والضريبي ومشاكل الفقر وقضية دعم محدودي الدخل والحفاظ على الأرض الزراعية وتنمية البيئة الجاذبة للاستثمارات الخارجية.
خامسا