كنت مسافراً بالطائرة إلى مدينة "ناشفيل" بولاية تنيسي الأميركية الأسبوع الماضي، وبرفقتي ابنتي البالغة من العمر 21 عاماً، لاستكشاف بعض الأفكار الموسيقية الجديدة المتعلقة بعنوان تسجيل موسيقي أفكر في إنتاجه. والشيء الغريب أنني كنت قد أقنعت نفسي بضرورة السفر بهدوء بعيداً عن أية تغطية إعلامية، وخصوصاً عقب ما أثير من تكهنات في عالم الموسيقى حول عودة فرقة "الكات" الموسيقية التي كنت أقودها في الماضي. كان اهتمام وسائل الإعلام هو آخر ما أريد في هذه الرحلة ولكن الله سبحانه وتعالى شاء أمراً آخر.
فقرب نهاية الرحلة التي انطلقت من لندن إلى واشنطن، تم تحويل مسار الطائرة، وأعلن قائدها في الميكروفون الداخلي أن السبب هو وجود زحام شديد في حركة المرور الجوي. وبعد الهبوط في مدينة "بانجور" بولاية "مين"، صعد ستة ضباط طوال القامة يرتدون زياً رسمياً أزرق اللون، إلى متن الطائرة، وأحاطوا بي أنا وابنتي.
سألني أحدهم: هل اسمك يوسف إسلام؟ أجبت: نعم اسمي يوسف إسلام. قال لي: هل لديك مانع من الحضور معنا للإجابة على بعض الأسئلة؟!
عندها كاد قلبي يتوقف، في حين شحب وجه ابنتي حتى أصبح يحاكي وجوه الموتى، وكان ذلك بداية الكابوس.
بعد ذلك اصطحبني ثلاثة رجال من مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف.بي. آي"، بعد أن عزلوني عن ابنتي، وبدؤوا في توجيه بعض الأسئلة إلي.
في البداية بدا الأمر وكأن هناك خطأ قد وقع، وأن هؤلاء الرجال يخلطون بيني وبين شخص آخر، وخصوصاً بعد أن بدؤوا في تهجي اسمي حرفاً حرفاً، وكرروا ذلك أكثر من مرة. من جانبي نبهتهم إلى النطق السليم لاسمي وكررت الحروف ببطء.
ولكن ذلك على ما يبدو لم يكن كافياً، حيث بدوا وكأن شيئاً ما لازال يثير حيرتهم. وعندما واصل هؤلاء الرجال طرح الأسئلة، تبين لي أن بعض الأشياء التي يستفسرون عنها ليست لها أية علاقة بشخصي. قلت لنفسي لابد أن الأمر قد اختلط عليهم وأنهم يخلطون بيني وبين شخص آخر. ولكنني ظللت غير متأكد من صدق توقعاتي، لأنهم لم يكونوا ملزمين بذكر السبب الذي دعاهم للقبض عليَّ، وخصوصاً أن بطاقة الدخول الخضراء اللون، التي قمت بملء بياناتها بدقة حسب طلبهم، كانت تحرمني من أي حق في استئناف أي حكم يصدر علي، كما تحظر علي مطالبة السلطات بالإجابة على ما أقدمه لها من أسئلة.
ولم أتأكد من خطأ توقعاتي، إلا عندما نطق أحد ضباط الهجرة أمامي برقم مادة قانونية معينة، تربط بيني وبين القيام بنشاطات "إرهابية". ولست في حاجة إلى أن أذكر لكم ما حدث فيما بعد.
الشيء الذي أزعجني أيما إزعاج هو عزلي عن ابنتي لمدة تزيد على 33 ساعة. لم أكن أعرف خلالها كيف كان حالها، ولا متى أو أين سيلتئم شملنا ثانية معاً. ونظرا إلى أن السلطات صادرت هاتفي المتحرك، فإنني لم أتمكن أيضاً من الاتصال بعائلتي.
سبحان الله! هل هذه هي نفس الأرض التي غادرت منها منذ فترة ليست بعيدة؟ إن الشيء الذي لا يصدق هو أنني كنت أقوم منذ فترة لا تزيد على شهرين، بإجراء لقاءات في واشنطن مع كبار مسؤولي المكتب التابع للبيت الأبيض والذي يطلق عليه "مكتب المبادرات الدينية المجتمعية" للحديث عن أنشطتي الخيرية. وحتى في تاريخ سابق، وتحديداً بعد شهر واحد من وقوع الهجوم على مركز التجارة العالمي، قمت بزيارة نيويورك لإجراء لقاء مع الفنان العالمي ذائع الصيت "بيتر جبرييل" ومع "هيلاري رودهام كلينتون" زوجه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وذلك في المنتدى الاقتصادي العالمي.
هل تغيرتُ كثيراً منذ ذلك الوقت؟ لا في الحقيقة أنني لم أتغير كثيراً ولا قليلا. ولكن الذي تغير هو إجراءات التدقيق على المسافرين، والتي تتم بشكل عشوائي يفتقر إلى التمييز. لقد كنت في الحقيقة ضحية لنظام غير عادل وتعسفي، تم فرضه على عجل، ولن يحقق شيئاً سوى أنه سيسيء إلى صورة أميركا، ويقلل من قدرها باعتبارها المدافع الأول عن الحريات المدنية، التي كافح من أجلها الكثيرون، وضحوا وماتوا في سبيلها على مر القرون.
هل يمكنني أن أقول إن أي شكل من أشكال "الإرهاب" والعنف هو النقيض تماماً لكل ما أحبه وما أمثله؟ وإن أي شخص يعرفني جيداً سيؤمِّن على صدق كلامي؟ لقد أمضيت حياتي كلها باحثاً عن السلام والتفاهم، وهو ما تجسد بشكل واضح في موسيقاي. ومنذ أصبحت مسلماً كرست حياتي للتعليم، وأعمال البر والتقوى، ومساعدة الأطفال في مختلف أنحاء العالم.
وعلاوة على ذلك فإنني لم أتوقف يوماً عن إدانة ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، ولا عن التأكيد بأن قتل الأبرياء، واختطاف الضحايا وقتل الرجال والنساء والأطفال بدم بارد أمر ليس له أدنى علاقة بالدين الإسلامي الحنيف. وقمت في العديد من المرات بشجب أعمال الجماعات التي تلجأ إلى تلك الأعمال اللاإنسانية مهما كانت مسمياتها. وأي ادعاءات بخلاف ذلك هي ادعاءات مُختلقة.
منذ أن اعتنقت الإسلام عام 1977، حاول الكثيرون الربط بيني وبين أشياء لا علاقة لي بها البتة. ويمكنكم في هذا الخصوص أن تأخذوا قضية "سلمان رشدي" كمثال على