تمتعت بلدان الخليج العربي بدرجة معقولة من الاستقرار السياسي مقارنة بالأوضاع المضطربة بمنطقة الشرق الأوسط، واستطاعت دول الخليج أن تنأى بنفسها عن العواصف السياسية، وتمكنت بفضل عوائد النفط أن تحافظ على درجة لا بأس بها من الاستقرار في ظل منطقة مضطربة.
النفط كان العامل المهم في معادلة الاستقرار، فعوائده لعبت دوراً في قيام شبكة كبيرة من الطرق، وتحققت بفضل هذه العوائد بحبوحة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فالدولة هي المالك والموزع للثروة النفطية.
احتفظت الدولة بدورها التقليدي المتمثل بالقبيلة تجاه رعاياها، ومزجت بين الحداثة والتقليدية في إدارتها لمؤسساتها، في الوقت الذي كانت الدولة الخليجية ترى في الانفتاح على العالم الحديث ضرورة تفرضها طبيعة اقتصادياتها إلا أنها وجدت نفسها غير راغبة في استيراد الحداثة بمفاهيمها الاجتماعية المختلفة وخصوصاً تأسيس علاقة جديده بين المواطن والدولة. الدولة الخليجية تسعى إلى أن تبقي على توازن في تعاملها مع الحداثة بجانبيها المادي والمعنوي.
تعرضت الدولة الخليجية بين فترة وأخرى إلى تهديدات داخلية وخارجية، وربما كان أبرزها محاولة جهيمان العتيبى التي كانت امتداداً لنمو التيار الديني المتطرف في البلاد العربية.
محاولة جهيمان العتيبى طرحت تساؤلات عديدة، فهذه الجماعات جاءت من رحم القبيلة التي تشكل أحد أبرز عوامل الاستقرار السياسي التي تعتمد عليها الدولة الحديثة، وهي كذلك تمثل المخزون البشري لقوى الأمن والجيش، ما أثار انتباه البعض بأن القبيلة التي تعد بمثابة الباعث للاستقرار السياسي هي نفسها أصبحت بمثابة مصدر تهديد جديد.
المعركة مع القبيلة لم تكن جديده في هذه المنطقة، فتاريخياً جاء الإسلام ليحل محل القبيلة إلا أن التنظيم القبلي كان أقوى، فاستطاعت قريش أن تمارس دورها المسيطر في تسيير الحياة السياسية في بداية الدعوة الإسلامية، وحافظت على وجودها حتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الأطر التقليدية وظفت لصالح الدولة ليس فقط في الخليج وإنما في البلدان العربية، وإن تفاوتت بالمستوى، إلا أنها تؤدي نفس الوظائف. وحتى الأحزاب السياسية العربية لم تكن خارج هذه المعادلة، فمعظم قيادات العمل الحزبي العربي تدعمها أطرها التقليدية ولا تستطيع الاستغناء عنها لأنها الحصن المتين للهيمنة السياسية القيادية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تستمر القبيلة بلعب دورها التقليدي في دعمها للدولة الحديثة، في ظل الخلل الذي أحدثته أحداث عالمية عاتية كأحداث سبتمبر التي شهدتها الولايات المتحدة، وانفجارات الرياض، والاعتقالات بين التنظيمات الدينية المتطرفة التي معظم أعضائها جاء من رحم القبيلة! ربما لا نملك الإجابة على ما طرحناه إلا أن مراجعتنا للأحداث التي مرت بها المنطقة الخليجية تمكننا من أن نقول إن ثمة تغييراً تشهده مؤسسة القبيلة سواء من حيث طموحات أبنائها المشروعة في أن يعتد بآرائهم وخصوصاً أن معظم أبناء القبائل حصلوا على درجة عالية من التعليم ما يمكنهم من تولي المسؤولية في مؤسسات الدولة الحديثة. فعلى ضوء التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة لا يصبح من الضرورة أن ننظر للقبيلة باعتبارها السند الاحتياطي الذي من الممكن استثماره في أوقات الأزمات.
دول الخليج العربي مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالسعي إلى تحقيق الاندماج الاجتماعي وتقديم مفهوم المواطنة في مشاريعها التنموية القادمة باعتبار أن الدولة الحديثة لا يمكن أن تقام إلا على مفاهيم الحداثة التي قننت العلاقة بين المواطن والمسؤول، وربما علينا إعادة النظر في عقلية الرعاية التي تتبناها الدولة الخليجية.