في الوقت الذي تسعي فيه الكثير من دول العالم الثالث إلى تحديث التعليم في بلدانها بفتح جامعات حكومية وخاصة جديدة، لاستقطاب أكبر عدد من الطلبة في هذه الجامعات، يزداد في الوقت نفسه تدفق الطلبة من دول العالم الثالث للدراسة في الدول المتقدمة. فقد نشرت مجلة "فورن بوليسي" (النسخة العربية) عدد سبتمبر-أكتوبر، إحصائيات مهمة حول هذا الموضوع، حيث أوضحت الأرقام أن الإقبال على الدراسات العليا في الولايات المتحدة لا يزال مرتفعاً رغم القيود الكثيرة التي وضعتها الولايات المتحدة على دخول الطلبة الأجانب. فقد قدرت الدراسة أن يصل عدد الطلبة الأجانب الذين يودون الدراسة في الدول الغربية في عام 2025 إلى نحو 8 ملايين طالب معظمهم من الدول الآسيوية، ففي عام 2003 استضافت الولايات المتحدة نحو ثلث الطلبة الدوليين في العالم الذين يبلغ عددهم مليونين تقريباً.
ما يهمنا هنا هو أن التخصصات التي ينكب على دراستها الطلبة الأجانب هي إدارة الأعمال والهندسة والرياضيات وعلوم الحاسوب. والسؤال هنا: هل الجامعات العربية والخليجية الجديدة تركز على هذه الدراسات؟! حسب خبرتي فإن معظم الطلبة في الخليج يفضلون الدراسات الاجتماعية والآداب، وإن كان الإقبال على دراسة إدارة الأعمال في ازدياد مستمر.
هنالك أمر مؤسف ومحزن لدول العالم الثالث، وهو أن بعض الطلبة الدارسين يعودون إلى بلدانهم، لكن البعض منهم خصوصاً المتفوقين، يهاجرون إلى البلدان التي درسوا فيها، ومعظم الطلبة المهاجرين الحاصلين على مستوى متقدم من التعلم هم من دول عربية وإسلامية، 43.5% من المغرب و39% من تركيا و33.3% من تونس و16.5% من سيرلانكا، بينما وصلت نسبة المهاجرين من جامايكا إلى 95.8%. هجرة العقول العربية والإسلامية للغرب حتماً ستؤثر على مسيرة التنمية والتقدم في بلداننا، فهجرة هذه العقول لعدم توفر فرص العمل وعدم وجود الاستقرار السياسي وغياب الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، من العوامل الرئيسية للهجرة للغرب. تعتبر قارة آسيا المصدر الرئيسي للطلبة الأجانب في الجامعات الغربية، فنحو 80% من الطلبة من آسيا وهم يشكلون دخلاً جيداً للجامعات الغربية التي يدرسون فيها، بريطانيا وأستراليا مثلاً تعتمدان حالياً على دخل الطلبة الأجانب الذين يتدفقون على جامعاتهما.
دول العالم الثالث لجأت إلى أسلوب فتح الجامعات المفتوحة (التعليم عن بعد) وهي في ازدياد مستمر، وتتوسع بشكل هائل في هذه الدول، ولجأت الحكومات في هذه الدول إلى هذا النوع من الجامعات من أجل نقل المعرفة عن بعد كوسيلة لامتصاص الطلب المتزايد على الجامعات، وتصل أعداد الطلبة في هذه الجامعات إلى أكثر من 100.000 طالب. وأشهر الجامعات المفتوحة هي جامعة علامة إقبال المفتوحة في باكستان، وجامعة الأناضول في تركيا وجامعة بنغلاديش المفتوحة في بنغلاديش. أين دول الخليج العربية من كل هذه الطفرة في مجال التعليم العالي؟ لا ينكر أحد بأن هنالك توسعاً سريعاً في إنشاء الجامعات الخاصة في الخليج، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الطلبة المتميزين تبعثهم حكوماتهم للدراسة في الجامعات الغربية وهذه خطوة سليمة وممتازة للاحتكاك بالجامعات المتقدمة في الغرب، لكن المشكلة هي أن هنالك محاولات من قبل المحافظين وتيارات الإسلام السياسي إلى حث دول الخليج، ومنها الكويت، على عدم بعث طلبتنا للدراسة في الخارج للتعليم العالي. بل إرسالهم للجامعات الخاصة الخليجية التي فتحتها هذه التيارات المحافظة كبديل عن الجامعات الغربية لاعتبارات سياسية بحتة يعرفها الجميع.