بعد الانهيار الذي حدث في النظام الانتخابي في فلوريدا منذ أربع سنوات خلت، وما ترتب عليه من جدل لا يزال مستمراً حتى الآن، طُلب مني ومن الرئيس الأسبق "جيرالد فورد"، قيادة فريق من الخبراء المتخصصين، للقيام بمهمة محددة تمثلت في اقتراح التغييرات التي ينبغي إدخالها على العملية الانتخابية في الولايات المتحدة، برمتها حتى لا يتكرر ما حدث في تلك الولاية.
وبعد عدة شهور من الجهود الدؤوبة والمنسقة، التي قامت بها تلك المجموعة من الخبراء المخلصين المنتمين إلى الحزبين تحت إشرافنا، قدمنا مجموعة من التوصيات التي تمت الموافقة عليها بالإجماع من قبل أعضاء فريقنا، إلى الرئيس بوش وإلى الكونجرس. واستجابت الحكومة لهذه التوصيات فيما بعد بإصدار ما يعرف بـ"قانون مساعدة أميركا على التصويت" في أكتوبر 2002.
بيد أن ما حدث لسوء الحظ، هو أن العديد من المواد الواردة في ذلك القانون لم تجد طريقها إلى التنفيذ، إما بسبب عدم كفاية المخصصات المالية، أو بسبب النزاعات السياسية، أو للسببين معاً.
والحقيقة المزعجة أن احتمال تكرار ما حدث عام 2000 في الانتخابات السابقة ما زال قائماً حتى الآن، حتى في الوقت الذي تقوم فيه دول أخرى كثيرة في مختلف أنحاء العالم، بإدارة انتخابات معترف بها دولياً كانتخابات شفافة، ونظيفة ونزيهة.
و"مركز كارتر" الذي أتشرف برئاسته، قام بمراقبة ما يزيد على 50 من الانتخابات عقدت كلها تحت ظروف مضطربة وخطيرة ومتوترة إلى أقصى درجة في دول مختلفة في العالم. وعندما كنت أقوم بوصف النشاطات التي يقوم بها المركز سواء في أميركا أو خارجها، فإن السؤالين الحتميين اللذين كانا يوجهان لي دائماً هما:
"لماذا لا يقوم المركز التابع لك بمراقبة الانتخابات في فلوريدا؟". والسؤال الثاني:"كيف تفسر المشكلات الخطيرة التي وقعت في الانتخابات هناك؟".
والإجابة التي أستطيع تقديمها على السؤال الأول هي:"إننا لا نستطيع أن نقوم برصد أكثر من خمسة انتخابات سنوياً، ثم إن مواجهة الاحتياجات الانتخابية الحيوية في الدول الأجنبية هي التي تمثل أولويتنا القصوى في الوقت الراهن ... وقد يكون من المفيد هنا أن أشير إلى أن آخر مرتين قمنا فيهما بمراقبة انتخابات خارجية كانتا في فنزويلا وإندونيسيا، وأن القادمة ستكون في موزمبيق".
أما عن السؤال الثاني فكل ما يمكنني أن أفعله هو أن أقدم إجابة جزئية عليه وهي: أن بعض المتطلبات الدولية اللازمة لإجراء انتخابات نزيهة غير متوافرة في فلوريدا في الوقت الراهن. ولكنني قد أجد هنا من يطرح عليَّ سؤالا آخر هو: وما هي أكثر تلك المتطلبات أهمية في نظرك؟
وإجابتي كالتالي: إن أكثر تلك المتطلبات أهمية هي:
1- وجود لجنة انتخابية غير حزبية، أو مسؤول غير حزبي موثوق به، يكون مسؤولاً عن تنظيم وإجراء العملية الانتخابية قبل وأثناء وبعد أن يتم التصويت الفعلي. وعلى الرغم من أن أعضاء مثل تلك اللجنة، نادراً ما يكونون موضوعيين تماماً، إلا أنهم على الأقل يكونون تحت أعين الرقابة الشعبية، كما أنهم تتم محاسبتهم في النهاية على صحة ونزاهة القرارات التي يتخذونها. أما موظفو الانتخابات الإداريون في فلوريدا في الانتخابات الماضية سنة 2000، فقد كانوا متأثرين للغاية بالاعتبارات الحزبية، كما قاموا دون حياء بانتهاك أحد الاحتياجات الأساسية للانتخابات، وهو ضرورة وجود سلطة غير متحيزة، تحظى بثقة الجميع، كي تقوم بإدارة كافة عناصر العملية الانتخابية.
2- توحيد الإجراءات الانتخابية بحيث تتم طمأنة جميع المواطنين الأميركيين - بصرف النظر عن وضعهم الاجتماعي وإمكانياتهم المالية- بأن أصواتهم جميعاً يتم إحصاؤها بنفس الطريقة، وأنها تخضع للتصنيف والجدولة بالدرجة نفسها من الدقة. ويشار هنا إلى أن التقنية الحديثة اللازمة للتصويت الإليكتروني مستخدمة بالفعل، وأنها تتمتع بدرجة عالية من الدقة، وبالقدرة على الجدولة الفورية، وعلى تقديم نسخ مطبوعة لتفاصيل عملية التصويت، الأمر الذي يشعِر الناخبين بالثقة، ويجعلهم يطمئنون لنزاهة وحياد العملية الانتخابية برمتها.
وليس هناك سبب- فيما أرى- يحول دون استخدام هذه التقنية الإلكترونية المستخدمة بالفعل في الكثير من الدول الأجنبية، بل وفي بعض الولايات في أميركا.
لقد كان واضحاً في الانتخابات التي جرت في فلوريدا عام 2000، أن تلك المتطلبات الانتخابية الأساسية، والتي تضمن إقامة انتخابات حرة لم تتم مراعاتها.
والأمر الأكثر إثارة للانزعاج الآن، أننا في الوقت الذي نستعد فيه لإجراء الانتخابات القادمة، التي لم يعد يفصلنا عنها أكثر من شهر، فإن هناك بعض الموظفين الرسميين الرئيسيين المسؤولين عن إدارة تلك الانتخابات، لا يزالون على رأس عملهم على الرغم من التحيزات السياسية الواضحة، التي يتسمون بها والتي تحول دون تحقيق الإصلاحات اللازمة.
ففي الانتخابات التي جرت منذ أربع سنوات، كانت كبيرة المسؤولين الانتخابيين في ولاية فلوريدا هي وزيرة خارجية فلوريدا "كاثرين هاريس"، التي كانت