مما لا شك فيه أن كافة دول العالم تهدف إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية العامة والثابتة التي يتفق عليها الاقتصاديون، والتي أهمها تحقيق معدلات عالية للنمو الاقتصادي، ونمو متوسط دخل الفرد، وعدالة توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي، ومعدلات عالية من التشغيل لكافة عناصر الانتاج بما في ذلك عنصر العمل، وحل المشكلات التي تستنزف الموارد الاقتصادية والطاقات البشرية. بيد أن درجة النجاح في تحقيق تلك الأهداف تعتبر نسبيةً وتختلف طرق ووسائل تحقيقها من دولة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر، بل إنها قد تختلف وتتباين أحياناً ما بين أقاليم الدولة الواحدة. وترتفع نسبة نجاحها وتحققها في الدول الصناعية المتقدمة بسبب توفر مقومات وإمكانيات التنمية الاقتصادية الناضجة والتي تأتي على رأسها البنية الأساسية للاقتصاد بكافة أبعادها ومفاهيمها الاقتصادية والإدارية والأمنية والسياسية والتكنولوجية والتشريعية. وبالطبع تنخفض نسبة نجاح وتحقق تلك الأهداف في الدول النامية بسبب غياب تلك المقومات أو ضعفها وتدني مستوياتها. فأين وصل العالم العربي في نسبة تشغيل الموارد البشرية وما هو مستقبل أسواق العمل العربية في ظل الظروف الراهنة؟
تشير الإحصائيات إلى أن إجمالي القوى العاملة في الوطن العربي في نهاية عام 2003م يقدر بحوالي 110 ملايين انسان، وتبلغ نسبتهم حوالي 36.7% من إجمالي عدد السكان الذي يقدر بحوالي 300 مليون نسمة. ويلاحظ انخفاض نسبة العاملين في قطاعي الزراعة والصناعة كنسبة مئوية من إجمالي القوى العاملة، حيث انخفضت نسبة العاملين في قطاع الزراعة من حوالي 42% في عام 1985م إلى حوالي 30% في عام 2003م، في حين انخفضت نسبة العاملين في قطاع الصناعة من حوالي 26% في عام 1985م إلى حوالي 19% في عام 2003م. وفي الوقت ذاته تزداد نسبة العاملين في قطاع الخدمات كنسبة مئوية من إجمالي القوى العاملة. ويبدو التباين واضحاً بين الدول العربية في مجال التوزيع القطاعي للقوى العاملة، حيث نجد أن بعض الدول العربية يزداد اهتمامها وتركيزها على قطاع الخدمات. وقد بلغت نسبة العاملين في قطاع الخدمات في نهاية عام 2003م في قطر 92% وفي الأردن %86 وفي الكويت 84% وفي السعودية 81% وفي الإمارات 81% وفي ليبيا 80% . وفي الوقت ذاته نجد أن بعض الدول العربية ما زالت تهتم وتركز على قطاع الزراعة فقد بلغت نسبة العاملين في قطاع الزراعة في السودان حوالي 67% وفي موريتانيا حوالي 57% وفي اليمن كذلك 57% من إجمالي القوى العاملة.
وتشير الإحصائيات إلى تزايد معدلات النمو السنوي في القوى العاملة في العالم العربي، حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي لها خلال 15 عاماً الماضية حوالي 3% وهو ما يفوق متوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي خلال نفس الفترة والذي يقدر بحوالي 2.8%، مما يعطي بدوره مؤشراً على استمرار وتفاقم معدلات البطالة، حيث أن استهداف حل مشكلة البطالة يتطلب أن يفوق معدل النمو الاقتصادي معدل نمو القوى العاملة. ويعتبر معدل نمو القوى العاملة مرتفعا نسبياً بالنسبة للمعدلات العالمية، حيث لا تتجاوز معدلات النمو في معظم الدول النامية 2% وتقل عن هذا المعدل في الدول الصناعية المتقدمة. ومن المتوقع أن تستمر المعدلات العالية لنمو القوى العاملة خلال العقدين الأول والثاني من القرن 21 وذلك بسبب ارتفاع معدل النمو السنوي للسكان في العالم العربي (النمو الطبيعي والهجرة معاً)، إذ يقدر معدل النمو الطبيعي للسكان بحوالي 2.4%، وهو ما يفوق المعدل العالمي الذي يقدر بحوالي 1.6%، وارتفاع نسبة الفئات العمرية الشابة القادرة على العمل بالنسبة إلى إجمالي السكان ومن ثم ارتفاع نسبة الشباب العاطل عن العمل في فئة العاطلين عن العمل وازدياد دخول المرأة إلى سوق العمل مع ازدياد مستوى التمدن والانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ومن السمات الرئيسة المميزة لأسواق العمل العربية ارتفاع معدلات البطالة في كافة الدول العربية. وقد أدت الظروف السياسية والأمنية التي يمر بها العالم العربي إلى ازدياد معدلات البطالة. ولا شك أن المعدلات العالية للبطالة تعتبر من التحديات الرئيسة التي تواجه الدول العربية اليوم، وذلك لكون كافة دول العالم تعتبر تخفيض معدلات البطالة من الأهداف الرئيسة التي تهدف إليها استراتيجيات وخطط وسياسات وبرامج التنمية الاقتصادية، كما أشرنا، وتعتبر معدلات البطالة من المعايير الأساسية التي تستخدمها كافة المنظمات والهيئات الاقتصادية العالمية لقياس مستوى نمو وتقدم الدول. وتعاني أسواق العمل العربية وبشكل حادٍ ومزمن من نوعين رئيسين من البطالة هما:
(1) البطالة المقنعة (أي غير الظاهرة)، والتي تعني باختصار زيادة عدد العاملين في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية ومنشآت القطاع الخاص عن الحاجة الفعلية لتلك الوحدات الإدارية والاقتصادية، فنسبة القوى العاملة الزائدة عن الحاجة هنا تسمى بطالة مقنعة. وهذه النسبة يصعب معرفتها بدقة وتحديدها إلا إذا أجريت دراسات اقتصادية وإدار