يبدو أن البرنامج النووي الإيراني، سيغدو محورا للأزمة الدولية الكبرى التالية. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات على نحو خطير ومطرد بين كل من الولايات المتحدة وإيران، فإنها تتصاعد بالوتيرة ذاتها بين كل من طهران وفيينا حيث مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية. والسبب وراء كل هذه التوترات هو تنامي الخوف من أن تكون طهران قد مضت شوطا بعيدا على طريق الانضمام للنادي النووي. من جانبها حذرت إدارة بوش من أنها لن تتسامح مع إيران فيما لو تسلحت نوويا. وبالنبرة ذاتها، ألمحت إسرائيل إلى أنه ربما تحتم عليها توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، قبل أن تصل تلك البرامج إلى نقطة اللاعودة، وتتمكن من تطوير قنبلتها النووية بحلول العام 2005، وفقا لما تشير إليه المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية. ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن على الولايات المتحدة الأميركية أن تزود تل أبيب بـ500 قطعة من قنابلها القادرة على اختراق المنشآت النووية الإيرانية المشيدة تحت سطح الأرض. وبعد، فلأي مدى تصدق كل هذه التهديدات والتوعدات، وأيها جاد وأيها خلافا لذلك؟ ذلك أنه يصعب جدا تصور أن تكون واشنطن وتل أبيب جادتين في تهديدهما باستخدام القوة العسكرية ضد طهران. فمراجل الغضب الشعبي تغلي سلفا في العالم الإسلامي، الذي ستجتاحه موجة من العنف الغاضب، فيما لو وجهت ضربة عسكرية إلى إيران. وبسبب الاستنزاف الذي حدث لأميركا في العراق، فإنها لا تبدو على استعداد لفتح جبهة أخرى في إيران. لكن وعلى أية حال، فإن لإسرائيل مصلحة كبيرة في منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية. ذلك أنها تبدي قلقا إزاء مواصلة احتكارها هي لأسلحة الدمار الشامل على المستوى الإقليمي. من هنا فهي تواصل حثها للولايات المتحدة، كي ترغم هذه الأخيرة إيران على التخلي عن برنامجها النووي.
وفي بعض الأحيان، تؤدي مراقبة إسرائيل للسياسات الأميركية حيال طهران، إلى ظهور بعض الثغرات ونقاط الضعف. فمكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق حاليا مع أحد محللي وزارة الدفاع الأميركية، هو لاري فرانكلين، المعروف بولاءاته القوية تجاه إسرائيل. أما موضوع التحقيق، فهو ما أثير من اتهامات حول تسريبه مسودة سرية تحوي توجيها رئاسيا بشأن إيران، للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية-الأميركية. كما يزعم أن اللجنة هذه، سلمت نص الوثيقة من جانبها لإسرائيل.
ولكن يظل السؤال قائما: هل تمضي إيران حقا، في تطوير أسلحة نووية؟ من جانبها تنفي السلطات الإيرانية نفيا قاطعا وجود أية نوايا كهذه لديها. ويؤكد المسؤولون الإيرانيون أن برامجهم النووية قاصرة على الأغراض السلمية وحدها. وقد سمحت إيران لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إجراء تفتيش مكثف على منشآتها النووية، فضلا عن تقديم معلومات وفيرة ومستفيضة عما يجري من أبحاث نووية. وحتى الوقت الراهن، فإن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم يعثروا بعد على أي دليل لتصنيع قنبلة نووية. فلماذا كل هذا القلق إذن؟ كما نعلم فقد أوصى جون بولتون وكيل وزارة الخارجية الأميركية- وهو أحد صقور واشنطن ومحافظيها الجدد الذين ضغطوا باتجاه شن الحرب على العراق- أوصى بأن الطريق الأمثل لوضع حد للبرنامج النووي الإيراني، هو تغيير النظام الحاكم في طهران. بل حتى وزير الخارجية نفسه-كولن باول- الذي طالما عد من الأصوات المعتدلة في الإدارة الحالية، لم يخف قناعته بأن لطهران برنامجا للأسلحة النووية.
وربما تكون طهران صادقة في نفيها التخطيط لتصنيع أي قنبلة نووية. غير أنه من الصعب عليها إنكار أن لديها المعرفة بكيفية صنع قنبلة كهذه، وفي الوقت الذي تريده. علاوة على ذلك، فإن لطهران ما يكفي من اليورانيوم والعلماء، إلى جانب أنها قطعت شوطا في الحصول على ما تحتاجه من قدرة تمكنها من تصنيع الطاقة النووية. وبدلا من شراء الطاقة النووية اللازمة لتشغيل محطاتها النووية، فإن هناك ما يثبت عزمها على تطوير هذه الطاقة داخليا، مما يعني سيطرتها على تدوير الطاقة محليا. وعلى المستوى النظري، فإن هذا يسمح لإيران أن تخطو الخطوة المستقبلية التالية نحو تخصيب اليورانيوم بمستوى متقدم يسمح بإنتاج الأسلحة الإنشطارية.
وعلى رغم اعتراف إيران بأنها قطعت شوطا في تركيب أجهزة الطرد المركزية عالية السرعة، التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم، إلا أنها تنفي أن تكون قد شرعت عمليا في التخصيب.
في التاسع عشر من شهر سبتمبر الجاري، وجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رسالة إلى طهران تصل إلى حد الإنذار. فقد أصدرت قرارا يطالب طهران بتجميد كافة أنشطتها ذات الصلة بتخصيب اليورانيوم، قبل موعد انعقاد الاجتماع القادم لمجلس محافظي الوكالة في الخامس والعشرين من نوفمبر المقبل. وفي حال عدم امتثال طهران للقرار إياه، تود الولايات المتحدة أن يحال الملف الإيراني مباشرة إلى مجلس الأمن الدولي، مصحوبا بالتهديد بفرض عقوبات عليها. غير أن الأعضاء الأوروبيين في مجلس محافظي الوكالة، يرفضون المضي إلى ذلك الحد، لكونه